رام الله | على وقع نزف الدماء المستمرّ من أقصى شمال فلسطين إلى الجنوب، حطّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في رام الله، حيث التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، علماً أنه أنيط بالوزير الأميركي، منذ بدء العدوان على غزة، أداء مهامّ على الساحة الدولية بالنيابة عن حليفة بلاده إسرائيل، حتى صار يمكن القول إن الرجل يتصدّر قائمة رافضي وقف إطلاق النار في القطاع، أقلّه الآن. ويأتي هذا فيما تستمرّ الولايات المتحدة، كما يَظهر، في منح الضوء الأخضر للإسرائيليين، لمواصلة المجازر في غزة، وإن باتت تتحدّث عن إمكانية إرساء هدنة إنسانية، توازياً مع توجيهها قادة الكيان بالبدء في البحث في مخارج سياسية. وهكذا، واصل بلينكن جولته الشرق أوسطية، لضمان أن لا تخرج المواقف العربية عن الإطار الذي اختطّته إدارة جو بايدن، جنباً إلى جنب بحثه الترتيبات المستقبلية للقطاع، بما لا يتعارض مع تطلعات العدو. على أن اجتماع بلينكن - عباس، انتهى من دون أن يصدر عنه بيان مشترك، وإنْ لم يكن صعباً معرفة ما الذي دار من نقاش بينهما، إذ يستهدف رأس الديبلوماسية الأميركية الحفاظ على «الهدوء والاستقرار» في الضفة، ومنْع التصعيد ضدّ إسرائيل، واستمرار التنسيق والتواصل بين السلطة والاحتلال، مع ما يتطلّبه هذا من غضّ الطرف عن العدوان على غزة، وتقبّل ما يحصل في الضفة من جرائم قتل وتهويد واستيطان أيضاً. أمّا الأمر الآخر، الذي يشغل الإدارة الأميركية، فهو بحث الترتيبات المستقبلية للقطاع، بعد انتهاء العدوان، بما يشمل كيفية إدارته والجهة التي ستديره، فيما أحد الخيارات المطروحة على طاولة الإدارة يتمثّل في عودة السلطة إلى غزة، وذلك بعد الفشل في تمرير مشروع التهجير الذي عملت عليه واشنطن وتل أبيب، إلى جانب خيار تشكيل قوّة متعددة الجنسيات للإشراف على القطاع.وبحسب ما نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أميركيين، فإن بلينكن شكر عباس على مساعدته في الحفاظ على «الهدوء» في الضفة الغربية، فيما أكد الأخير استعداده للمساعدة في إدارة غزة، إذا تمّ عزل «حماس»، رابطاً ذلك بحلٍّ سياسي شامل، بعدما أعرب الوزير الأميركي عن أهميّة أن تقوم السلطة بدور في مستقبل القطاع، علماً أن هذا الملفّ لم يكن محور المناقشات. وفي واقع الأمر، تبدو زيارة بلينكن لرام الله وقاحة غير مسبوقة، إذ وصل إليها بعد 48 ساعة من اجتماعه إلى نتنياهو، والذي تخلّله فاصلٌ من المجازر المرتكَبة في المستشفيات والمدارس في غزة، وتشييع جثامين 5 شهداء قتلهم جيش الاحتلال في الضفة بالرصاص والصواريخ والقذائف خلال الساعات الماضية، بينهم ثلاثة من بلدة أبو ديس، ليرتفع عدد الشهداء في الضفة، منذ السابع من أكتوبر، إلى أكثر من 150. وللمفارقة، فإن أبو ديس، البلدة التي اقترحتها الإدارة الأميركية السابقة عاصمة لدويلة فلسطينية بدلاً من القدس، شهدت المواجهات الأبرز، أمس، بعد تعرّضها للاقتحام، حيث حاصرت القوات الإسرائيلية منزلاً تحصّن في داخله المطارَد نبيل حلبية (20 عاماً)، الذي رفض تسليم نفسه، واشتبك مع قوات الاحتلال لساعات قبل أن تقصفه بالصواريخ والقذائف ليرتقي شهيداً، فيما اندلعت اشتباكات ومواجهات في البلدة استشهد على إثرها موسى زعرور (22 عاماً)، ومهند عفانة (20 عاماً)، وأصيب 6 شبان، 3 منهم حالتهم خطيرة، كما أظهرت مقاطع مصوّرة وشهادات شهود عيان، أن إصابات وقعت في صفوف قوات الاحتلال خلال الاشتباكات المسلّحة. وفي محاولة لإرهاب الفلسطينيين، اقتحمت هذه القوات المنزل الذي تحصّن فيه المقاوم، بعد قصفه، وانتشلته بالجرافة وسارت به في شوارع البلدة، واختطفت جثمانه.
يستهدف رأس الديبلوماسية الأميركية الحفاظ على «الهدوء والاستقرار» في الضفة، ومنْع التصعيد ضدّ إسرائيل


وليس بعيداً من أبو ديس، شيّع الفلسطينيون في بلدة العيزرية الفتى رامي عودة (17 عاماً)، الذي أُعلن عن استشهاده متأثّراً بجروح حرجة أصيب بها قبل أيام، كما أُعلن عن استشهاد الشاب أحمد دبابسة (22 عاماً)، برصاص الاحتلال في بلدة نوبا قرب الخليل. في هذه الأثناء، اندلعت مواجهات واشتباكات مسلّحة في أكثر من منطقة في الضفة الغربية والقدس المحتلتَين، تزامناً مع اقتحام قوات الاحتلال عدداً من المدن والقرى والمخيمات التي شهدت مواجهات عنيفة تصدّياً للقوات المقتحمة، كان أبرزها اشتباكات مسلّحة بين مقاومين وقوات الاحتلال في نابلس، وفي بلدة عزون في قلقيلية، التي شهدت تفجير آليات للاحتلال بعبوات ناسفة محلية الصنع، ما أدى إلى تعطّل آلية عسكرية بعد استهدافها على طريق كفر ثلث - عزون قضاء قلقيلية.
ومرة جديدة، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين وأطرافه، دافعةً بجرافات عسكرية «D9» إلى داخله، حيث شرعت في أعمال تجريف وتخريب للبنية التحتية، محدثةً دماراً واسعاً على غرار عمليات التجريف والتدمير السابقة، لتندلع مواجهات عنيفة واشتباكات مسلّحة في عدد من أحياء المدينة وأطراف المخيم، تخلّلها إطلاق نار وإلقاء عبوات ناسفة محلية الصنع تجاه جنود وآليات الاحتلال العسكرية، وهو المشهد نفسه الذي تكرّر في مخيمَي طولكرم وبلاطة.
كذلك، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة اعتقالات طاولت 40 مواطناً على الأقل، بينهم ثلاثة صحافيين. وتركّزت عمليات الاعتقال في محافظتَي رام الله وجنين، فيما توزّعت بقية الاعتقالات على محافظات الخليل ونابلس وطولكرم وطوباس، ورافقها تنكيل في حقّ المعتقلين وعائلاتهم. كما اعتُقلت مجموعة عمال لم تُعرف أعدادهم وهويّاتهم بشكلٍ دقيق، لترتفع حصيلة حملات الاعتقال التي نفّذها الاحتلال، بعد السابع من تشرين الأول الماضي، إلى نحو 2080، شملت مَن جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومَن اضطرّوا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، واحتجاز أفراد من عائلاتهم كرهائن.