غزة | بعد ليلة من القصف الجوي والبري، كانت الأشدّ منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، واصلت دبابات الاحتلال تنفيذ مخطّط تطويق المناطق الشرقية والغربية من شمال القطاع. وإذ تمكّنت بعض فرق الدبابات من تنفيذ اختراقات عميقة نسبياً في الأحياء الغربية من شمال غزة، فإن المقاومة حرمتها من أيّ فرصة لتثبيت قواتها في أيّ نقطة من نقاط التمركز، بفعل تصدّيها الملحمي للآليات المتوغّلة.فقد بدأ القصف الجوي غير المسبوق، عند السادسة من مساء الأحد، وتواصل ليل الأحد - الاثنين، آخذاً شكل الأحزمة النارية المستمرّة، والتي كان ينفّذها عدد كبير من الطائرات الحربية في لحظة واحدة، لمدّة ساعة ونصف ساعة تقريباً. وطاولت تلك الغارات المحاور الغربية للقتال، بدءاً من أقصى شمال مدينة بيت حانون، مروراً بأحياء شمال مدينة بيت لاهيا، مثل العطاطرة والسلاطين، والعمودي والتوام والإسراء، وصولاً إلى الأحياء الغربية لوسط شمال القطاع، وهي: النصر والشيخ رضوان وأبراج المخابرات والأمن العام. على أن القصف الأكثر دموية وتدميراً، طاول مخيم الشاطئ الشمالي، إذ نفّذت الطائرات الحربية هناك عشرات الغارات المتتالية على مربعات سكنية تضمّ مئات المنازل المبنيّة من الصفيح، وارتكبت هناك مجزرة تسبّبت باستشهاد وإصابة أكثر من 500 مواطن. ثمّ تواصل الحزام الناري العنيف، ليطاول مناطق عدّة من شارع الرشيد الساحلي، وصولاً إلى المناطق الغربية المحيطة بمستشفى «الشفاء» ومفترق أنصار، غرب مدينة غزة، حيث ثمّة شريط طويل شمله القصف الجوّي لأكثر من ثمانين دقيقة متواصلة. وعقب ذلك، شرعت وسائط المدفعية والزوارق الحربية في تنفيذ أكبر عملية تمهيد ناري منذ بدء العدوان، إذ أطلقت ما معدّله 15 قذيفة في الدقيقة الواحدة، طوال الليل، على منطقة العمليات المستهدفة.
إذا كان النسق الذي اتُّبِع ليل الأحد - الاثنين، سيجري اعتماده لمواصلة التقدّم، فإن الأحياء السكنية ستمسي كل ليلة على موعد مع الإبادة الجماعية


وصباح أمس، تبيّن أن القوات المتوغّلة وصلت، لأوّل مرّة، إلى أماكن عميقة نسبياً في المناطق الغربية من شمال غزة. إذ تقدّمت في مناطق بيت لاهيا، وفي أحياء العطاطرة والسلاطين، وعلى أطراف حيّ الشيخ رضوان بالقرب من أبراج المقوسي، كما أتمّت الانتشار على طول شاطئ شمال القطاع، قاطعةً شارع الرشيد تماماً. وبالتوازي مع ذلك، تقدّمت الدبابات في المناطق الجنوبية لمدينة غزة، وتحديداً من جهة حيّ الزيتون وأطراف منطقة تل الهوا. كان مفهوماً أن خطوط المقاومة الدفاعية لن تواجه حمم النار المهولة. لكن في الصباح نفسه، خاضت المقاومة اشتباكات عنيفة جداً في المناطق الغربية من شمال غزة، وتحديداً على محورَي شارع الرشيد وأطراف حيّ الشيخ رضوان، حيث دمّرت قبل ساعات الظهيرة أكثر من 4 آليات، واستهدفت في «السلاطين» عدّة آليات أخرى بالقذائف المضادّة للدروع. وتقدّر مصادر ميدانية عدد الآليات التي جرى تدميرها في محاور التقدّم الجديدة (أطراف حيّ الشيخ رضوان، شارع الرشيد، أبراج المقوسي) بأكثر من 14 آلية. وفي الوقت نفسه، شهدت الفترة الممتدّة من ليل الأحد حتى مساء أمس، تكرار إطلاق رشقات صاروخية كثيفة على مستوطنات «غلاف غزة» ومدن العمق المحتلة، ولا سيما مدينة تل أبيب.

الجيش لا يريد القتال
تشير خريطة الاختراقات الأخيرة إلى أن القوات المتوغّلة رفعت نسبة اعتمادها على التمهيد بسلاح الجو، إلى مستويات غير معهودة. وإذا كان النسق الذي تمّ اتّباعه في ليل الأحد - الاثنين، سيجري اعتماده لمواصلة التقدّم، فإن أحياء سكنية بأكملها ستمسي في كلّ ليلة على موعد مع الإبادة الجماعية، وخصوصاً بعدما رفض الأهالي مخطّطات التهجير والإخلاء، وفضّلوا الموت تحت سقوف منازلهم، على النزوح الإجباري إلى مناطق الجنوب. كما يكشف النسق الجديد الذي دشّنه جيش الاحتلال الليلة قبل الماضية، انعدام الدافع لدى القوات البرية الإسرائيلية لإعداد الخطط المهنية «النظيفة» للقتال العسكري المنجز، واعتماد الجيش بشكل كامل على سلاح الجو وسياسة الأرض المحروقة، في مقابل استعداد مهول من مقاومي «كتائب القسام» لخوض الالتحام المباشر وجهاً لوجه.
وفي هذا الإطار، تُبيّن المقاطع المصوّرة التي ينشرها الإعلام العسكري التابع لـ«كتائب القسام»، تعمّد المقاومين تقليص الحيّز المكاني ما بين الآليات المتوغلة والمقاومة، لإبطال فعالية سلاح الجو في استهداف المقاومين الذين يعملون على مسافة قريبة جداً من القوات المتوغّلة. وأجمَلَ الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، نتائج 48 ساعة من التصدي للقوات المتوغّلة، معلناً أن مجاهدي «القسام» في محاور القتال دمّروا كلياً أو جزئياً 27 آلية عسكرية إسرائيلية، كما دكّوا القوات المتوغّلة بعشرات قذائف «الهاون»، والتحموا في اشتباكات مباشرة مع قوات العدو وأوقعوا فيها خسائر محقّقة.