في الأسابيع التي سبقت عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في «غلاف غزة» في السابع من تشرين الأول الماضي، ونجحت خلالها في تدمير أذكى جدار عازل عرفته البشرية، بالإضافة إلى أسر العشرات من قوات الاحتلال، كثر الحديث في أوساط التجمّعات السياسية السورية - الأميركية العديدة، التي انخرط فيها أميركيون من أصول سورية معارضون لدمشق، حول إمكانية الاستفادة من السيطرة الأميركية على منطقة «55»، وهي المنطقة التي تتموضع فيها قاعدة «التنف» الأميركية غير الشرعية، أكبر القواعد الأميركية في سوريا، عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن. ومن بين ما حفّز تلك المناقشات، افتتاح معبر غير شرعي في منطقة الزويرية، قرب معبر «التنف»، يربط المنطقة بالعراق، بالتنسيق بين مهرّبين وبعض عشائر العراق من جهة، و«جيش سوريا الحرة» (مغاوير الثورة سابقاً)، وهو تجمّع لفصائل من مقاتلين سوريين يعملون تحت إمرة واشنطن، من جهة أخرى.كذلك، شهدت المنطقة إجراء دراسات مبدئية عديدة لكيفية الاستفادة منها، سواء عبر استقصاء إمكانية البحث عن الثروات الداخلية (من نفط ومعادن)، أو بناء تجمّع سكني جديد يمكن من خلاله استثمار المنطقة وموقعها الجغرافي المهمّ (المثلث الحدودي)، ويشكّل نواة لبؤرة أميركية دائمة هناك. وكانت «55»، قد سجّلت في الأشهر الثلاثة الماضية، اهتماماً غير مسبوق بها من قِبل هذه التكتلات السياسية المدعومة من الخارجية الأميركية، بذرائع مختلفة، من بينها تقديم الدعم لمخيم «الركبان» قرب الحدود الأردنية (في المنطقة ذاتها)، لمنع استمرار خروج العائلات السورية منه والتوجّه إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، في ظلّ انعدام سبل الحياة فيه.
وفي هذا الإطار، نشر «تجمع أحرار حوران»، وهو تجمّع لصحافيين وكتّاب معارضين ينشطون في الجنوب السوري، منتصف تشرين الأول الماضي، تسريبات عديدة حول الدراسات التي جرى إعدادها لبناء هذه البؤرة، حيث تمّ اختيار منطقة الزويرية الحدودية مع العراق، باعتبارها الأنسب لإقامة التجمع السكني. وذكر «التجمّع»، في تقرير نُشِر على موقعه، أن عمليات المسح المبدئية أشارت إلى وجود ثروات عديدة من بينها «السِّليكون»، الأمر الذي يمكن أن يشكّل دافعاً إضافياً لبناء التجمّع السكني، خصوصاً أنه يقع ضمن منطقة تحرسها القوات الأميركية، ما قد يشكل بديلاً للعائلات القاطنة في مخيم «الركبان» من العودة إلى بيوتها وقراها في مناطق سيطرة الحكومة السورية من جهة، ويضمن الاستفادة من المعبر غير الشرعي مع العراق من جهة أخرى. وألمح التقرير إلى وجود دعم من التكتلات الأميركية - السورية لمثل هذه الخطوة، بعد زيارات أجراها مسؤولون في تلك التجمعات - التي تشكل معارضة سورية ناشئة خاضعة بالمطلق لواشنطن - لمخيم «الركبان»، نجم عنها إنشاء بضعة مشاريع تحمل صبغة إنسانية.
يأتي هذا المشروع مدفوعاً أيضاً بالرغبة الأميركية الجامحة في إنشاء حزام يفصل إيران عن سوريا


وبحسب التسريبات التي نشرها الموقع، يأتي هذا المشروع مدفوعاً أيضاً بالرغبة الأميركية الجامحة في إنشاء حزام يفصل إيران عن سوريا، ما يعني إقامة مدينة تابعة بالمطلق للولايات المتحدة، تنشط عبر الحدود مع العراق، وتطلّ على الأردن، ويعمل قسم كبير من سكانها في الفصائل المدعومة أميركياً، والتي قامت واشنطن بإعادة هيكلتها وتغيير اسمها، بالإضافة إلى استقطاب مقاتلين جدد إليها، بذريعة محاربة تنظيم «داعش»، وإنشاء قوات لمراقبة الحدود ومنع تهريب المخدّرات، ضمن حزمة تضييق أميركية مستمرة على سوريا بذرائع مختلفة عسكرية واقتصادية. ولا تزال هذه الإجراءات الأميركية تشهد تصعيداً مستمراً، عبر حزمة عقوبات جديدة تحت مسمى «قانون كبتاغون 2»، يأتي استكمالاً لقانون سابق هدفه تقويض الصناعات الدوائية السورية، إحدى أبرز الصناعات التي قاومت الحرب وتمكّنت من الاستمرار، بذريعة محاربة المخدّرات، إذ أقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مساء الثلاثاء الماضي، بالإجماع، مشروع القانون الجديد الذي يفرض في حال تمريره في مجلسَي النواب والشيوخ، والتوقيع عليه بعد ذلك من قبل الرئيس، عقوبات على أي شخص أو جهة يُتّهمان بالانخراط أو الاستفادة من تجارة «الكبتاغون» في سوريا.
وبينما كان يجري الإعداد لمشروع المدينة الأميركية جنوب سوريا، جاءت عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من تصعيد مستمر على جبهات عديدة، واستهدافات متواصلة تنفذها المقاومة ضدّ القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا والعراق، رداً على الدعم غير المحدود الذي تقدّمه الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها الأخيرة على الفلسطينيين المحاصرين في غزة، لتشلّ، وإنْ بشكل مؤقّت، هذا المشروع، في ظلّ عدم إمكانية تأمين الحماية اللازمة له، بعدما عجزت واشنطن عن حماية قواعدها من هجمات المقاومة.