يعتمد العدو في حملته العسكرية على القصف الناري الكثيف، وعلى تدمير كل حيّ تخرج منه رصاصة أو مقاوم. فيما يوجّه ما مقداره نحو فرقتين من الجهة الشمالية، يتقدّمهما لواءا «جعفاتي» و«ناحل». كما يوجّه نحو فرقة ونصف فرقة من الجهة الجنوبية – الشرقية، بقيادة قوات النخبة من المظلّيين و«غولاني». واستفاد العدوّ في تقدّمه من الناحية الغربية، من عامل خاص، وهو أن الشريط الساحلي الممتدّ على طول طريق الرشيد، ليس فيه أنفاق، إذ إن 10 أمتار فقط تحت الأرض في تلك البقعة توصل الى المياه مباشرة. فيما الوضع مختلف تماماً في المناطق البعيدة، في عمق القطاع. ويعتمد العدوّ مناورة من شأنها تعقيد مهمّة التثبيت والتمركز في المناطق المُستهدفة. وهي استراتيجية شبيهة بما تعتمده القوات الروسية في أوكرانيا، لناحية الهجمات السريعة الهادفة الى تحقيق نتائج سريعة. وتشكّل الأنفاق في قطاع غزة الهاجس الأكبر لدى قيادات الجيش الإسرائيلي، كون تأثيرها كبيراً جداً على سير العملية البرية. وكتب عاموس هرئيل في «هآرتس» أن «جزءاً مركزياً في تحقيق النجاح مرتبط بمسألة الأنفاق. وتدريجياً يتبيّن للجيش أن كلّ ما عرفته الاستخبارات الإسرائيلية عن تشكيل الأنفاق الدفاعية التي حفرتها حماس لا يكشف حجم وذكاء وتعقيدات هذا المشروع الذي ربّما يعدّ الأكبر من نوعه في العالم».ومنذ اليوم الأول لما يسمّيه العدو «مناورة برّية»، بدا واضحاً أن أهم محور تقدّم هو الذي يشقّ القطاع في وسطه، من الشرق باتجاه شاطئ البحر، جنوبي مخيم الشاطئ، ثم تطوير التقدم شمالاً باتجاه مخيم الشاطئ. أما المحور الثاني من حيث الأهمية، فهو الذي يهبط من الشاطئ في الشمال الغربي، جنوباً على طول الخط الساحلي، باتجاه مخيم الشاطئ، حيث واجهت محاولة اقتحام المخيم من الجهة الشمالية مقاومة أجبرت العدو على اختيار مسارات تقدّم بديلة. وبناءً على ذلك، يجري العمل حالياً على توسيع الضغط الإسرائيلي من جهة التوام والكرامة، إذ يسعى العدو من جهة الى بلوغ مدخل مخيم الشاطئ للوصول الى منزل رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنيّة، واتخاذه من ذلك صورة «نصر». من جانب آخر، يعمل على شقّ طريق نحو مستشفى الشفاء. ووصلت قوات العدو بالفعل الى مدخل شارع النصر الذي يقود الى المستشفى، وهو ما يعني بدء دخول العدو الى المناطق السكنية. بينما تراوح الجبهة الشمالية الشرقية مكانها، حيث لا يبدو أن العدو قادر على التقدّم في بيت حانون.
يسعى العدوّ للوصول إلى مستشفى الشفاء ومنزل هنيّة في مخيّم الشاطئ


ويركّز العدوّ الآن على مستشفى الشفاء، كما مستشفى القدس. ويرسل ألوية مدرّعة الى تلك المنطقة، وينفّذ قصفاً عنيفاً على الطريق المؤدّي الى المقرّين الطبّيين، كما يقصف المناطق المحيطة بهما. والهدف من ذلك، تمهيد الأرض لتقدّم القوات داخل أحياء سكنية، وتهجير النازحين الموجودين في تلك المنطقة. ويرى العدوّ أنه في حال وصوله الى مستشفى الشفاء، يكون قد وصل الى مقرّ «الجبهة الداخلية» للقطاع، حيث توجد الإدارة المدنية والصحية والإغاثية. وسيتصرّف مع الأمر على أنه إنجاز كبير. كما هي الحال مع وصوله الى مستشفى القدس. أما الصورة الرمزية في مخيم الشاطئ، فهي الوصول الى منزل هنية وتدميره بصورة كاملة.
لكن ما جرى يوم أمس أن التقدّم لم يتجاوز 50 متراً على أطراف مخيم الشاطئ. فبعد قصف عنيف على قاعدة الأرض المحروقة، فوجئت قوات العدو لدى محاولتها التقدم بعددٍ غير قليل من المقاومين خاضوا معها اشتباكات عنيفة وتمكّنوا من إعطاب 16 مدرّعة ودبّابة وناقلة جند.
المشكلة الأخرى التي يواجهها العدو وتدفعه الى توسيع دائرة القصف المجنون، هي أنه، حتى مساء أمس، لم يتجاوز عدد الذين غادروا شمال قطاع غزة الـ 350 ألفاً، من أصل مليون و150 ألفاً. وحاول العدو تقديم صورة استعراضية، عندما أجبر ثلاث عائلات نازحة عبر طريق صلاح الدين الى الجنوب، على رفع راياتٍ بيضٍ، في سياق صورة الاستسلام التي ينشدها.
ومساء أمس، أعلن الناطق باسم «كتائب القسّام»، أبو عبيدة، عن «مرحلة قادمة من الغضب والمقاومة في الضفة وغزة والقدس وفي كل الجبهات والساحات». وأكد استمرار «القتال والتصدي للعدوان الصهيوني في كل محاور المناورات البرية للعدوّ»، معلناً «تدمير 136 آلية عسكرية تدميراً كلياً أو جزئياً، وإخراجها عن الخدمة». وقال أبو عبيدة إن «قوات النخبة من مجاهدينا تلتفّ لضرب العدوّ في خطوطه الخلفية، وننصب له ولدباباته الكمائن»، لافتاً إلى أن «ملف الأسرى لا يزال حاضراً لدينا في تفاصيل هذه المعركة، ونجدّد تأكيدنا أن المسار الوحيد والواضح لهذه القضية هو صفقة لتبادل الأسرى بشكل كامل أو مجزّأ». وأضاف: «ليس لملف الأسرى من حل قطعاً سوى هذا المسار»، كما «أننا لا نزال نؤكد أنّ من يعيق ويخرّب كل جهود تسليم المحتجزين من ذوي الجنسيات الأجنبية هو العدو». ودعا أبو عبيدة «مقاتلي شعبنا وجماهيرنا في كل أرض فلسطين للاستنفار لسحق هذا المخطّط الصهيوني، كما كنتم دوماً مقبرة لأحلام قادة هذا العدو الأغبياء».