لندن | لم يجد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أيّ صعوبة في إقناع نظرائه في «مجموعة السبع» (تضمّ إلى الولايات المتحدة، كلاً من ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا واليابان) بتبنّي تصوّر واشنطن حيال الأوضاع في الشرق الأوسط، سواء لناحية محض دولة الاحتلال تأييداً شاملاً، أو إدانة الهجمات الفلسطينية عليها، وكذلك إدارة المرحلة الحالية من الحرب على غزة، ومستقبل القطاع. وتضمّن بيان ختامي صدر عن اجتماعات مكثّفة عقدها الوزراء بحضور ممثّل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، واستمرت ليومَين (الثلاثاء والأربعاء)، في مقرّ الضيافة التابع لوزارة الخارجية اليابانية في طوكيو، إدانةً «لا لبس فيها» لما سُمّيت الهجمات «الإرهابية» التي شنّتها حركة «حماس» في السابع من أكتوبر، وغيرها، بما في ذلك الهجمات الصاروخية المستمرّة على الكيان. وشدّد البيان، الذي عكس حرفيّاً وجهة النظر الأميركية - ويُعتقد أن بلينكن وضع مسودته -، على مفهوم غامض قانونيّاً، أصبح عملةً غربية متداولةًَ حول «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها وفقاً للقانون الدولي، وفي سعيها إلى منع تكرار (الهجمات)». ودعا الوزراء إلى الإفراج الفوري عن جميع الأسرى الإسرائيليين، بلا شروط. وقال بلينكن مخاطباً وزيرة الخارجية اليابانية، يوكو كاميكاوا، أمام الصحافيين، على هامش الاجتماعات، إن «هذه لحظة عصيبة لبلادنا وللعالم، ومن المهمّ جدّاً لدول مجموعة السبع الالتقاء والتحدّث بصوت واحد وواضح، في مواجهة هذه الأزمة»، وأجابته كاميكاوا: «لديك دعمنا الكامل». وسبق الاجتماعات، بيان لرئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أكد فيه «تقدير» حكومته «عالياً الجهود الديبلوماسية، والدور القيادي الذي تقوم به إدارة الرئيس الأميركي (جو بايدن)، في ما يتعلّق بالأوضاع في إسرائيل، وأوكرانيا، ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ ». وحضر الاجتماعات إلى جانب بلينكن وكاميكاوا، وزراء خارجية بريطانيا جيمس كليفرلي، وألمانيا أنالينا بيربوك، وكندا ميلاني جولي، وإيطاليا أنطونيو تاجاني، وفرنسا كاثرين كولونا، إضافة إلى جوزيب بوريل.
وانعكست ضغوط الشارع الغربي التي تدفع في غالبيتها في اتّجاه وقف الإبادة الجماعية في غزة، على موقف الوزراء القلقين من توسّع المسافة بين الحكومات وشعوبها؛ فأعربوا عن رفضهم لِما اعتبروه «معاداة للسامية» و«الإسلاموفوبيا»، في تجاهل فاضح لحقيقة الحراكات الشعبية الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومنْح الفلسطينيين حقوقاً حُرموا منها بسبب الاحتلال، وهي حراكات لا تقتصر على المسلمين، بل يشارك في معظمها يهود - وإسرائيليون أحياناً -، ولم تسجّل إلى الآن على الأقلّ أيّ مظاهر ملموسة لعداء أعمى لليهود، كيهود.
وبخلاف الموقف الحازم في دعم الكيان الإسرائيلي، فإن بيان الوزراء دعا إلى اتّخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة ما سمّاه «الأزمة الإنسانية المتدهورة في غزة»، من دون أيّ ذكر للعدوان الإسرائيلي المستمرّ على القطاع المحاصَر، وطالب جميع الأطراف بالسماح بوصول الدعم (الإنساني) للمدنيين من دون عوائق. ووفقاً للبيان، فإن الدول السبع «تدعم هدنة إنسانية، ورسم ممرّات (آمنة) لتسهيل حركة المدنيين، وإطلاق سراح الرهائن، والسّماح للمواطنين الأجانب بمغادرة القطاع»، وتتعهّد «توفير تمويل إضافي لدعم الفلسطينيين عبر وكالات الأمم المتحدة، والجهات الفاعلة في الجانب الإنساني»، كما تدعم اجتماعاً في باريس (انطلق أمس) للنظر في طرق إيصال الدعم للفلسطينيين. وقال الوزراء إنهم يعملون سويّاً على اتّخاذ إجراءات لحرمان حركة «حماس» من القدرة على جمع الأموال، بما في ذلك فرض عقوبات، أو أيّ تدابير أخرى مناسبة، وعبروا عن خشيتهم من تصاعُد عنف المستوطنين المتطرّفين في الضفة الغربية، ووصفوه بالأمر «غير المقبول»، وبأنه «يقوّض الأمن»، و«يهدّد آفاق السلام الدائم».
وكان بلينكن، الذي وصل طوكيو بعد جولة شرق أوسطية، يضغط من أجل إقناع دولة الاحتلال بقبول وقف تكتيكي لإطلاق النار، بغرض السماح بدخول المساعدات الإنسانية، ونقل مزيد من المدنيين إلى خارج القطاع، وهو ما بدأ يثمر لو جزئياً، بينما تقترح الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، معالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة قبل النظر في شكل إدارة غزة مستقبلاً. كذلك، التزم وزراء خارجية «السبع»، في بيانهم، بالعمل من كثب مع «الشركاء» في الشرق الأوسط، من أجل إعداد «حلول مستدامة طويلة الأجل لغزة»، والعودة إلى عملية سلام في إطار مبدأ «حل الدولتَين». وبدا لافتاً أيضاً، تضمين البيان الختامي تحذيراً لإيران من زعزعة استقرار المنطقة عبر تقديمها الدعم لـ«حماس» و«حزب الله» اللبناني وغيرهما، إذ دعاها الوزراء إلى استخدام نفوذها مع تلك «الجماعات» لتهدئة التوتّرات الإقليمية، ومنْع توسّع نطاق الصراع. وكرّر الوزراء موقف دولهم في قمة الدول السبع الأخيرة (في أيار الماضي) «المصمّم» على «منْع طهران من تطوير سلاح نووي»، والإعراب عن القلق البالغ إزاء أنشطتها الأخرى «المزعزعة للاستقرار»، بما فيها تطويرها الصواريخ الباليستية، تحت ستار برامج مركبات الإطلاق الفضائية، ونقلها الصواريخ والطائرات من دون طيار والتكنولوجيات ذات الصلة إلى جهات حكومية - بما في ذلك روسيا -، وجهات أخرى غير حكومية، فضلاً عن تدريب حركات مسلّحة في دول أخرى وتمويلها، و«تهديدها حرية الملاحة» في مضيق هرمز، إضافةً إلى الأسطوانة المعهودة عن تدهور حال حقوق الإنسان في إيران، بخاصة أوضاع النساء والفتيات والأقليات، وأيضاً استهداف أفراد خارج إيران، بمَن فيهم صحافيون ومعارضون للنظام الإيراني.
كان بلينكن يضغط من أجل إقناع الدولة العبرية بقبول وقف تكتيكي لإطلاق النار، بغرض السماح بدخول المساعدات الإنسانية


وتطرّق الوزراء، في اجتماعاتهم كذلك، إلى الشأن الأوكراني في ظلّ تعدُّد الإشارات إلى فتور التأييد الغربي لنظام كييف. واستمعوا إلى كلمة عبر الفيديو لنظيرهم الأوكراني، دميترو كوليبا، واتفقوا على تضمين بيانهم الختامي، إعادة التزام دولهم الثابت بدعم «كفاح أوكرانيا من أجل استقلالها وسيادتها»، و«إدانة العدوان الروسي» على أراضيها. وفي مكالمة هاتفية تلت صدور البيان، طمأن كيشيدا، الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى استمرار دعم «مجموعة السبع» لنظامه، رغم تفاقُم الصراع في الشرق الأوسط، وأبلغه بوجود خطط لاستضافة مؤتمر ياباني - أوكراني للاقتصاد وإعادة الإعمار، في شباط المقبل.
وكرّر الوزراء مواقف قادة بلادهم حول مجموعة من الأزمات الأخرى، بما في ذلك برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، و«عدوانية الصين المتزايدة» في النّزاعات الإقليمية مع جيرانها، وتردّي الأوضاع الأمنية في بعض الدول الأفريقية، ودعم جهود الأمم المتحدة لدفع العملية السياسية في ليبيا، كما تشجيع تونس على تنفيذ إصلاحات، والدفع إلى تعاون عالمي في مكافحة الأوبئة والمخدرات الصناعية والتعامل مع التهديدات الناجمة عن إساءة استخدام بعض الأطراف للذكاء الاصطناعي.