انتهت القمة الثامنة لـ"منظّمة التعاون الإسلامي" و"جامعة الدول العربية"، في الرياض، ببيان اعتُبر "جيداً"، وإنْ كان يفتقد إلى آليات التنفيذ. وإذ هرب زعماء العرب والمسلمين من تحمّل مسؤولياتهم، ورموا كرة العمل لتنفيذ المقرّرات الـ31 في مرمى "المجتمع الدولي" ومجلس الأمن، فإن القمّة، بهذا المعنى، جاءت رفعاً للعتب، في ما من شأنه أن يشجّع إسرائيل على المضيّ قُدُماً في جرائمها ضدّ أهالي غزة والضفة الغربية. وإذا كان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، هو الوحيد الذي دعا إلى تسليح الفلسطينيين، فقد دعا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في كلمته، إلى إنشاء صندوق لإعمار غزة، والتعويض على سكانها، معرباً عن استعداد بلاده للمساهمة في إعادة الإعمار، لأن "إفلات إسرائيل من العقاب، سيجعلها تكرّر فعلتها"، واصفاً العدوان الإسرائيلي بأنه "بربرية غير مسبوقة في التاريخ"، وبأنه "لا يمكن المساواة بين مقاومي حماس والمحتلّين الإسرائيليين". كذلك، كرّر إردوغان دعوته إلى أن تحقّق "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في مسألة السلاح النووي الإسرائيلي، وأن تضعه تحت المراقبة، وإلى أن يوضع الفلسطينيون تحت ضمانات أمنية دولية، و"تركيا مستعدّة لتكون من بين الدول الضامنة"، مشيراً إلى أن القدس هي "خطّنا الأحمر".
ولفت الإعلام التركي إلى أنه، وللمرّة الأولى منذ بدء "الربيع العربي"، يَظهر الرئيسان السوري بشار الأسد، والتركي رجب طيب إردوغان، في إطار الصورة نفسها، حيث وقف الأسد إلى يمين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فيما وقف إردوغان إلى يساره. وإذ اهتمّت الصحافة أيضاً بما إذا كانت هناك من علامات على لقاء محتمل بين الزعيمَين، ذكّرت بعض وسائل الإعلام التركية بأن الرئيس السوري قال، الصيف الماضي، إنه لن يجتمع إلى نظيره التركي، وفق شروط الأخير، وإن شرط أيّ مفاوضات مباشرة هو انسحاب القوات التركية من سوريا، فيما كان إردوغان يقول إنه "مستعدّ للقاء مع الأسد شرط أن يغيّر مقاربته... هو يريد منّا الانسحاب من شمال سوريا، وهذا غير ممكن لأنّنا هناك من أجل محاربة الإرهاب".
وعن دعوته إلى التحقيق في السلاح النووي الإسرائيلي، كان إردوغان قال قبل ذهابه إلى الرياض، إن "تهديد إسرائيل باستخدام السلاح النووي لقصف غزة أمر يدفع تركيا إلى نفاد الصبر. وسوف يُسأل عن هذا قَتَلة الأطفال الذين لم يولدوا بعد وعشرات الآلاف من النساء والأطفال والمظلومين الذين يذهبون ضحيّته". وتنقل الصحافية هاندي فرات عن إردوغان، قوله إن موقف الولايات المتحدة وكلّ الغرب "بدأ يتغيّر"، لأن الاحتجاجات ضدّ مجازر إسرائيل في غزة بدأت تستهدف موقف الأميركيين. ولفت الرئيس التركي إلى أن "إسرائيل لم تبدأ مجازرها ضدّ الفلسطينيين اليوم، بل منذ عام 1947". أمّا الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، وفق إردوغان، فهو أن يقول وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، لدى وصوله إلى القدس في بداية الأحداث، إنه آت بصفته يهودياً وليس وزيراً للخارجية.
من جهته، وجّه رئيس الوزراء التركي السابق، رئيس "حزب المستقبل" أحمد داود أوغلو، عبر حسابه في موقع "إكس"، نداء "عالي النبرة" من 12 بنداً، إلى القمّة العربية - الإسلامية، أهمها: وقف خطوات التطبيع مع إسرائيل، مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية، عزل إسرائيل عن كل المنطقة إلى أن يُرفع الحصار عن غزة، إغلاق المجال الجوي للدول الإسلامية أمام تحليق الطائرات الإسرائيلية، وقف العلاقات التجارية مع إسرائيل، وقف تصدير النفط إلى إسرائيل... وغيرها. وفي صحيفة "يني شفق"، تكتب النائبة عائشة بوهورلر عن نكبة غزة، قائلةً إن "ما يجري هناك ليس تطهيراً عرقياً بل إبادة"، فيما تقول فوليا صويباش، في "حرييات"، إنه "مع استمرار إسرائيل في مجازرها، تزداد عزلتها"؛ ففي نيويورك، كما تضيف، "يتظاهر الطلاب رفضاً للدعم الأميركي لإسرائيل، وفي البرلمان التركي تتمّ مقاطعة الضيافة المصنّعة من الشركات الداعمة لإسرائيل، كما يشمل ذلك مقاطعة التعاون معها على جميع الصعد. ولكن يمكن التساؤل: هل المقاطعة توصل إلى النتيجة المتوخّاة لوقف المجازر؟". ويجيب على هذا السؤال، المحامي محمد بولنت دينيز، وهو رئيس "اتحاد المستهلكين" في تركيا، بالقول إن "المقاطعة تفيد شرط التصويب على الشركات الأساسية وتنظيم المقاطعة بشكل مفيد، ذلك أن المقاطعة يجب أن لا تشمل دولاً بالخطأ والتأكد من منشأ البضاعة".
إردوغان: موقف الولايات المتحدة وكلّ الغرب «بدأ يتغيّر»، لأن الاحتجاجات ضدّ مجازر إسرائيل في غزة بدأت تستهدف موقف الأميركيين


وفي "يني شفق" أيضاً، يرى إحسان أقطاش أن "إسرائيل مسحت كل شيء تحت أقدامها، فيما يمارس الغرب وهو يتفرّج، ازدواجيته"، معتبراً أن "صمت الغرب على المجازر يعكس اهتراء وتعفّن نظام القيم فيه"، متسائلاً عن الأمم المتحدة وما يفعله مسؤولو الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإنكلترا الذين تحوّلوا إلى "عبيد للصهيونية... حتى مجرّد إدانات لِما تفعله إسرائيل لا تخرج من هذه الدول، إذ إنهم يَنظرون إلى الفلسطينيين على أنهم باتوا خارج الحضارة". ولكن أقطاش يواصل قائلاً إن "الأوروبيين في العصور الوسطى، لم يكونوا يَنظرون إلى اليهود على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، بل نصف حيوانات ونصف بشر"، مضيفاً: "المسألة اليهودية كانت دائماً مسألة مسيحية. وكان الأوروبيون يعتقدون أن كلّ الأمراض والشرور مصدرها اليهود. ووصلت ذروتها إلى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، حيث نجحت أوروبا في تغطية عدائها لليهود على امتداد ألف سنة بتحميل النظام النازي في ألمانيا كل الموبقات".