رام الله | بعد أكثر من 9 أيام من وقوعها، تبنّت «كتائب القسام» عملية بيت ليد شرق مدينة طولكرم، والتي تُعدّ أوّل عملية موثّقة في الضفة الغربية المحتلّة منذ ما يقارب 20 عاماً، وأظهر مقطع توثيقها عدداً من الجوانب لم يكُن جيش الاحتلال والإعلام العبري قد ذكرا عنها شيئاً. إذ اقتصرت رواية الاحتلال على إطلاق نار من مركبة مسرعة تجاه مركبة للمستوطنين، ما أسفر عن مقتل جندي وإصابة آخر بجروح خطيرة. لكن الفيديو الذي نشرته «القسام»، أظهر أن الهجوم كان مزدوجاً، وتضمّن في شقّه الثاني كميناً محكماً في قرية بلعا شرق طولكرم، استُدرجت عبره مجموعة من جنود الاحتلال إلى المصيدة، حيث كانت في انتظارهم عبوات ناسفة زُرِعت مسبقاً لتنفجر لحظة احتشاد قوة راجلة منهم لفحص المركبة التي أُطلقت عليها النار، وتتطاير أجسادهم يميناً ويساراً، ما بين قتيل وجريح. حينها، نظر من تبقّى من جنود الاحتلال حولهم في المنطقة الجبلية الوعرة، لعلهم يكتشفون أحداً، لكنهم حين ظنّوا أنهم تلقّوا الصفعة من دون أن يرصدهم أحد، عمدوا إلى إخفاء آثارها. وكان لافتاً أن التوثيق حمل شعار عملية «طوفان الأقصى»، إضافة إلى «طوفان الضفة»، في رسالة تستبطن دلالات كثيرة، قد تعني بدء مرحلة جديدة من العمل الفدائي، وسط تأكيد قادة المقاومة أن الضفة لا يزال في جعبتها الكثير. على أن دلالات ما نشرته «القسّام» لا تقتصر على تبنّي العملية المزدوجة وتصويرها، بل هي تمتدّ إلى منهجية الاحتلال في إخفاء خسائره والتكتّم عليها ما دام أنه لم يدرك أنها وُثّقت. وفي السياق، يجمع الخبراء العسكريون والمتابعون على أن الاحتلال يتكتّم بصورة كبيرة على خسائره، وتحديداً البشرية، في المعارك الدائرة في قطاع غزة، وهو ما أكدته المقاومة في أكثر من مناسبة، نظراً إلى الاشتباكات الضارية التي تخوضها، ومنها الموثقة التي تظهر الاستهدافات المباشرة للجنود من نقاط صفرية في معظمها. وفيما نشرت «القسّام» عدداً من المقاطع الموثّقة، التي أظهرت استهداف عدد من جنود الاحتلال من مسافة قريبة، بالإضافة إلى إعلانها الأخير عن تفجير قرابة 25 آلية عسكرية، اكتفى جيش الاحتلال بإعلان مقتل 5 جنود وإصابة 6 آخرين جراء انفجار فتحة نفق في قوة راجلة من جنوده.
وترمي سياسة تمويه الخسائر في الحروب والمواجهات التي يخوضها الكيان، إلى تحقيق أهداف عدة أبرزها عدم إثارة الرأي العام ضد القيادة السياسية والأمنية، وتوليد ضغط عليها لإنهاء الحرب، إضافة إلى أن ذلك ينعكس إيجاباً على الروح المعنوية والقتالية للمقاومين. وفي هذا الإطار، أقرّت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يعتمد سياسة ضبابية في ما يخص خسائره البشرية في غزة، فيما يؤكد خبراء في الشأن الإسرائيلي لجوء جيش الاحتلال إلى عدة طرق لإخفاء العدد الحقيقي لقتلاه. ولعل أبرز هذه الطرق أن قوائم القتلى التي تصدرها المؤسسة العسكرية تستثني شرائح عديدة، من مثل اليهود الشرقيين والروس وبعض الدروز والبدو، والذين تُعرض عليهم مبالغ مالية مقابل التكتم على خسائرهم، علماً أنّ نسبة اليهود الشرقيين والدروز الذين يخدمون في الجيش مرتفعة، وتصل إلى حوالى 80%.
تخضع الإعلانات عن أي قتلى أو عمليات فدائية لـ«مقص» الرقابة العسكرية أو منع النشر


ووفقاً لمصادر من الداخل المحتل، فإن جيش الاحتلال يسلّم قتلاه من الجنود البدو إلى عائلاتهم ليلاً، ليتم دفنهم في ساعات متأخرة بحضور ممثل عن شرطة الاحتلال وعدد قليل من الأقارب الذين يتم إجبارهم على عدم الإعلان عن مقتل أبنائهم وعدم فتح بيوت عزاء. لكنّ الأمر نفسه يرفضه اليهود الغربيون الذين يصرون على الإعلان عن مقتل أنجالهم في ساحة المعركة. وكان ملاحظاً أيضاً أن الجنود الذين أُعلن عن مقتلهم منذ بدء العدوان البري على غزة، جميعهم من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة، من دون أي ذكر لأي جندي من البشرة السمراء أو الملامح الشرقية. كما لم يتم الحديث عن المرتزقة في صفوف جيش الاحتلال، والذين وصلوا من عدة دول أوروبية للقتال في غزة مقابل مبالغ مالية.
ومنذ اليوم الأول للعملية البرية، اعترف قادة العدو السياسيون والعسكريون بأن الجيش يدفع أثماناً كبرى في غزة، بل إن عضو «كابينت الحرب»، بيني غانتس، أقرّ، في مؤتمر صحافي، بأن الصور القادمة من معركة قطاع غزة مؤلمة و«دموعنا تتساقط عند رؤية جنود لواء غفعاتي يسقطون»، مضيفاً «(إننا) نمرّ بأوقات صعبة وسنشهد المزيد منها». كذلك، يعمد جيش الاحتلال إلى إعلان قتلاه بطريقة تدريجية وبطيئة وعلى دفعات، بهدف الحفاظ على معنويات الجيش أولاً وعدم إثارة الرأي العام والحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة، وتثبيط المقاومين بإظهار عدم فعالية أدواتهم القتالية، أمام ترسانة الجيش المتطورة والمحصنة.
وتخضع الإعلانات عن أي قتلى أو عمليات فدائية لـ«مقص» الرقابة العسكرية أو منع النشر، وهو قرار ملزم يتم بموجبه منع نشر أي معلومات عن أي عملية فدائية أو عن خسائر بشرية، سواء من وسائل الإعلام أو من المؤسسات الرسمية أو المستوطنين، وهذا الحظر يبقى ساري المفعول حتى صدور قرار بالسماح بالنشر وتحديد المعلومات المسموح التداول بها فقط. وبالإضافة إلى الرقابة العسكرية، منع كيان الاحتلال وسائل الإعلام الإسرائيلية من تداول ما تنشره فصائل المقاومة من مقاطع مصوّرة تظهر استهداف الجيش وتكبيده الخسائر، وهو قرار ملزم أيضاً، ولكن ذلك لا ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتسرّب إليها كثير من تلك المقاطع. ويُشار إلى أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت قد نشرت قبل أيام خبراً عن إصابة نحو 350 شخصاً في الجبهة الشمالية، بينهم 100 جريح في حالة خطيرة، ولكنها حذفت الخبر سريعاً بعد دقائق من نشره.