تُشير المعطيات الميدانية المتسارعة إلى رغبة إسرائيلية مستعجلة في تنفيذ مخطَّط تقسيم شمال غزة ومدينة غزة إلى معازل تُسهم في زيادة الضغط على القيادة السياسية والحكومية والميدانية لحركة «حماس». إذ إن المحور الذي تقدَّمت فيه القوات البرية الإسرائيلية في المناطق الغربية من وسط شمال غزة، وتحديداً على مفترق العيون وبالقرب من حيّ الشيخ رضوان، من شأنه، إذا ما ازداد عمقاً في الأيام المقبلة، أن يَعزل مناطق شمال القطاع (التوام، الصفطاوي، بيت لاهيا، بيت حانون، مخيم جباليا وشرق مخيم جباليا)، عن مناطق وسط شماله، وبطبيعة الحال عن مدينة غزة وأحياء الرمال ومركز المدينة. كما أن التقدّم من محور التوام والصفطاوي، يمكن أن يقسّم أحياء الشمال الطرفي من شمال غزة، إلى قسمَين، غربي وشرقي، فيما التقدّم في محور غربي مدينة غزة، والمتزامن مع آخر عند محور الشيخ عجيلين وأطراف حيّ تل الهواء، من شأنه أن يَعزل المدينة عن أطرافها القريبة من وادي غزة. وما يُفهم من المخطّط الإسرائيلي الحالي، عبر هذا النسق من التقدُّم البطيء، هو إعادة إنتاج سيناريو حصار بيروت في عام 1982، والذي يطمح عبره جيش الاحتلال - في محصّلة الأمر - إلى رؤية قيادات حركة "حماس" ومختلف عناصرها، يخرجون من ممرّ تراقبه دبابة إسرائيلية، وهم يرفعون الرايات البيضاء، متوجّهين إلى شبه جزيرة سيناء مثلاً. غير أن الفارق هنا، هو أن «حماس» ليست ضيفة على القطاع، إنّما هي جزء أصيل من مكوّنات البناء الاجتماعي للمدينة. كما أن «حماس» الإسلامية والعقائدية، والتي لا تمتلك برنامجاً سياسيّاً ولا طموحاً إلى إلقاء خطابات في الأمم المتحدة، ليست هي حركة «فتح» و«منظمة التحرير الفلسطينية». بمعنى آخر، فإنّ يحيى السنوار ليس ياسر عرفات، وليس ثمّة خطّ تفاوض من تحت الطاولة، يُجريه أحد معاونيه مع مفوض الـ"سي آي إيه"، وليام بيرنز، ويقايض فيه على وقف القتال وتسليم الرهائن، من أجل سلامة المقاتلين وقيادات الحركة و«كتائب القسام». وبهذا المعنى، فإنّ الهدف الذي يحلم جيش الاحتلال بتحقيقه عبر هذه العملية البرية، يبدو متعذّراً تماماً، بالنظر إلى أن ثمّة مَن هو مستعدّ للقتال حتى النفَس الأخير، من دون أيّ خطة بديلة للاستسلام والتسليم.
يواصل جيش الاحتلال تضييق الخناق على مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، منذ يوم الجمعة


في هذا الوقت، يواصل جيش الاحتلال تضييق الخناق على مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة، منذ يوم الجمعة، حيث قصف باحات ومباني المستشفى الذي يؤوي أكثر من 50 ألف نازح وآلاف الجرحى، أكثر من خمس مرات، وتابع، طوال ليل الجمعة - السبت، استهداف محيطه وبواباته بعشرات الغارات. كلّ ذلك، حدث بالتزامن مع حملة تحريض كبرى زعمت أن المستشفى يضمّ مراكز قيادة وسيطرة للمقاومة. وفي حين تُواصل الدبابات محاصرة «الشفاء»، يَطمح جيش الاحتلال إلى تحقيق صورة انتصار عاجلة وسريعة، بالنظر إلى نوعية القيادات الحكومية والإعلامية التي يزدحم بها المستشفى. ومن شأن إطباق الحصار على المجمع الصحي الأكبر في القطاع، تحقيق صورة «الانتصار» المشتهاة، والتي لخّصها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مؤتمر صحافي، بالحديث عن تدمير قدرات حركة «حماس» السلطوية والحكومية. إذ إن المستشفى يشكّل حلقة الوصل بين الجسم الحكومي للحركة وبين الخارج، ولا سيّما وزارات الصحة والإعلام الحكومي والداخلية، ويتواجد فيه الناطقون الرسميّون باسم تلك الوزارات؛ وبالتالي فإنّ إطباق السيطرة عليه، واعتقال هؤلاء الناطقين، من شأنه أن يصدّر الصورة المشار إليها، والتي دأب نتنياهو على التلميح إليها.