وسط ذلك كلّه، واصلت المقاومة التصدّي للقوات الغازية في مختلف محاور القتال، إذ تمكّنت من الإجهاز على قوة إسرائيلية خاصة من مسافة صفر في مدينة بيت حانون، وأعلنت تدمير عدد من الآليات، في جبهات القتال كافّة. كذلك، ركّزت على استخدام صواريخ قصيرة المدى من نوع «رجوم» وظّفتها في قصف القوات المتوغّلة في الخطوط الخلفية من الأحياء الحضرية المأهولة. بدورها، أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها قصفوا تجمّعات العدو بقذائف «الهاون» في محيط مصنع النسيج قرب نادي الفروسية في محور شمال غرب غزة، كما قصفوا تجمّعات مماثلة في أحراج موقعَي «كيسوفيم» و«العين الثالثة» برشقات من الصواريخ وقذائف «الهاون». أيضاً، أعلنت «السرايا» أن مقاوميها خاضوا اشتباكات ضارية مع الدبابات المتوغّلة في وسط مدينة غزة. وفي حصيلة يوم أمس، أفادت «القسام» بتمكّن مجاهديها، منذ الصباح، من استهداف قوة لجنود الاحتلال بعبوة مضادة للأفراد، وإيقاعها بين قتيل وجريح، وتدمير 11 آلية صهيونية (منها جرّافة D9 في محيط كيسوفيم في غلاف غزة) كلياً أو جزئياً في محاور التوغّل كافّة. أمّا «سرايا القدس»، فأعلنت قصف حشود الاحتلال المتوغّلة في منطقة جحر الديك بوابل من قذائف «الهاون»، إضافة الى استهداف التجمّعات العسكرية في محيط الشركة الهندسية بصواريخ «بدر 1»، وقصف تلك التي في محيط جامعة الأزهر ومنتجع النور برشقة صاروخية. كما نشرت «السرايا» مشاهد من قصف الحشود العسكرية المتوغّلة في «نتساريم» ومحيط عمارة «بكرون» بصواريخ «بدر1».
في انتظار حرب المدن
في مخيم الشاطئ، ادّعى جيش الاحتلال أنه أحكم حصاره على المخيم من الجهات كافة، وشرع في خوض قتال شوارع مع المئات من المقاومين المحاصَرين فيه، غير أن الواقع الجغرافي والديموغرافي الشديد التعقيد هناك يُفنّد ادّعاءات الاحتلال؛ إذ إن أبناء المنطقة وسكانها يتوهون في شوارع المخيم، المعروف بكثافة البناء العمراني المزدحم جداً وعشوائيته، فما بالك بالغرباء الغزاة؟ كذلك، من المفهوم أن تكتيك المقاومة، وتحديداً «كتائب القسام»، يعتمد منذ بداية المعركة، على أسلوب «تخفٍّ أكثر، وظهور أقلّ فوق الأرض»، ما يضعف فرضية الحصار المزعوم، فضلاً عن الرواية التي يحاول العدو ترويجها، وهي أنه سيطر بالفعل على «الشاطئ»، بينما هو نجح في إدخال بعض قواته فقط، وقام بتصوير مقاطع فيديو ونشرها لإثبات روايته، من دون إظهار أيّ مقاومة اعترضت طريقه، أو أيّ اشتباك مع مقاومين.
أما في شوارع مدينة غزة، فقد استبقت المقاومة القوات المتوغّلة عبر الشروع في حرب المدن. ودفع حرص القوات الإسرائيلية المبالغ فيه على تجنّب وقوع خسائر بشرية في صفوفها، الجنود إلى الاحتماء طوال الوقت داخل الدبّابات المصفّحة، والتحرّك تقدّماً وتراجعاً، من دون غطاء ومرافقة من جنود المشاة، الذين يجب أن يحيطوا، وفق القوانين العسكرية، بالآليات المتوغّلة، لإجهاض أيّ هجوم من قوة مشاة معادية. ومنح هذا الإجراء الإسرائيلي مساحة واسعة للمقاومين للتحرك والتنقّل برشاقة كبيرة بين المباني والأزقة.
وتشير كلّ تلك التطورات إلى أن المقاومة استطاعت امتصاص الاختراق الإسرائيلي بشكل سريع، بل وحوّلت التمدّد الأفقي العميق للآليات، إلى فرصة للمشاغلة والإنهاك، وزيادة حدّة الخسائر. وأمام ذلك، تتعقّد فرصة الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، وهي حرب المدن، فيما من المقدّر أن تأخذ قوات الاحتلال وقتاً أطول في سياسة الإنهاك والضغط على الحاضنة الشعبية، وتشديد الحصار وتقطيع المدن الكبرى إلى مناطق ضيّقة ومعزولة، لتقليص دافعية ومساحة العمل لدى المقاومين.
الشتاء أزمة أخرى
يشكّل دخول فصل الشتاء أزمة للقوات البرية المتوغّلة، حيث تشير التقديرات العسكرية إلى أن سلاح المدرّعات الذي يقطف ثمار التمهيد الجوي، سيكون في الأيام المقبلة محروماً بعض الشيء من فعّالية سلاح الطيران، الذي يتأثر بشكل لا يُستهان به بالظروف الجوية. كما أن الطائرات المُسيّرة التي تحلّق على ارتفاعات كبيرة، تتأثّر أيضاً بطبقات الغيوم والأمطار الكثيفة والرياح الشديدة. ومعنى ذلك، أنه سيكون على القوات البرية الاعتماد على سواعد الجنود، ليس في إحراز المزيد من التقدّم فقط، بل في حماية نفسها من الالتحام المباشر الذي تنتهجه المقاومة في إرباك الآليات وتجريدها من فعّالية الأسلحة التي تعلوها. هذا من جهة. أمّا من جهة أخرى، فإن واحداً من امتيازات الشتاء، هو أنه يحدّ من قدرة الآليات على التحرّك المريح والمناورة في المساحات الترابية، التي تحوّلها مياه الأمطار إلى سبخات طينية، تعلق بين جنازير الدبابات، وتحدّ من مساحة الرشاقة والمناورة السريعة لديها. ومن شأن ذلك كلّه، أن يغيّر في مسار الميدان، ويعطي مساحة أوسع لتحرّك المقاومين ومناورتهم.