ويتعرّض الأطفال الأسرى لعقوبات تنكيل وانتقام، تبدأ بعمليات الاقتحام الوحشي، وتصل إلى حدّ المسّ بمقوّمات الحياة، ومنها الطعام، والعلاج، والماء، والكهرباء. وبحسب الشهادات الموثّقة للمعتقلين الأطفال والتي تنشرها مؤسسات الأسرى، فإنّ غالبية الذين تمّ اعتقالهم، تعرّضوا لشكل من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي منذ لحظة الاعتقال حتى لحظة الإفراج عنهم، في محاولة لانتزاع الاعترافات منهم، وإجبارهم على التوقيع على أوراق من دون معرفة مضمونها. وتتمثّل الانتهاكات الجسيمة التي يتعرّض لها هؤلاء في اعتقالهم ليلاً، والاعتداء عليهم بالضرب المبرّح أمام ذويهم، وإطلاق النار عليهم خلال اعتقالهم، وإبقائهم مقيّدي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين قبل نقلهم إلى مراكز التحقيق والتوقيف، بالإضافة إلى حرمانهم من الطعام والشراب لساعات، وتحديداً في الفترة الأولى من الاعتقال، وحرمانهم من حقّهم في المساعدة القانونية، وكذلك وجود أحد ذويهم. يُضاف إلى ما تقدّم، توجيه الشتائم إليهم وإطلاق كلمات بذيئة ومهينة بحقّهم، والاستمرار في احتجازهم تحت ما يُسمّى بـ»استكمال الإجراءات القضائية»، إذ قلّما تقرّ المحكمة إطلاق سراحهم بكفالة وتتعمّد إبقاءهم في السجن خلال فترة المحاكمة.
يتعرّض الأطفال الأسرى لعقوبات تنكيل وانتقام، تبدأ بعمليات الاقتحام الوحشي، وتصل إلى حدّ المسّ بمقومات الحياة البسيطة
وبحسب المؤسسات المعنيّة، فقد سجّل العام الجاري ارتفاعاً في عمليات التنكيل والتعذيب، وخاصّة بعد السابع من أكتوبر، إذ لجأ الاحتلال إلى اعتقال الأطفال واستخدامهم كرهائن للضغط على أفراد من عائلاتهم لتسليم أنفسهم. وكان أبرز هذه الحالات، احتجاز طفل من بلدة بيت لقيا في رام الله، عمره ثلاث سنوات، لساعة ونصف ساعة قبل إطلاق سراحه، وذلك بعدما قام والده بتسليم نفسه لقوات الاحتلال لاحقاً. وسُجّلت في خلال الشهر الجاري، 145 حالة اعتقال في صفوف الأطفال، ومعظمها في القدس، علماً أنّ غالبيتهم يتمّ الإفراج عنهم بشروط، منها شرط الحبس المنزلي الذي يشكّل أخطر السياسات التي يمارسها الاحتلال بحقّهم. ومن بين هؤلاء، الطفلة الجريحة أسيل شحادة (17 عاماً) من مخيم قلنديا، والتي أطلق عليها جنود العدو النار من أمام حاجز قلنديا العسكري في السابع من الشهر الجاري، وتقبع اليوم في سجن «الرملة» في ظروف قاسية.
أما أبرز حالات الاعتقال في صفوف الأسيرات، فالأسيرتان شروق دويات، وشاتيلا أبو عيادة، اللتان تمضيان حكماً بالسّجن لـ 16 عاماً، وعائشة الأفغاني المحكوم عليها لمدة 13 عاماً، بالإضافة إلى عدد من الأسيرات المعتقلات إدارياً، ومن بينهن رغد الفني، سماح عوض، حنان البرغوثي، وفاطمة أبو شلال. وثمة في صفوف الأسيرات أيضاً 9 جريحات، أصعبهنّ حالة الأسيرة إسراء جعابيص، المتحدّرة من القدس، والتي تعاني تشوّهات حادّة في جسدها، جرّاء تعرضها لحروق خطيرة أصابت 60% منه، وذلك عندما أطلق جنود الاحتلال النار على مركبتها عام 2015، ما تسبّب بانفجار أسطوانة غاز كانت على متنها، بالإضافة إلى الأسيرة فاطمة شاهين من بيت لحم، التي تعرضت لعدة إصابات، وتعاني جراءها وضعاً صحيّاً صعباً.
يُشار كذلك إلى أنه توجد في صفوف الأسيرات ما لا يقلّ عن 15 أمّاً، من بينهنّ الأسيرة عطاف جرادات من جنين، وهي أمّ لثلاثة أسرى، هم: عمر، وغيث، والمنتصر بالله جرادات، والمعتقلة الإدارية فاطمة أبو شلال من نابلس، وهي والدة المعتقل الإداري أحمد أبو شلال. ومن بين الأسيرات اللواتي اعتقلن بعد السابع من أكتوبر: أمّ عاصف البرغوثي، والكاتبة لمى خاصر، وحنان البرغوثي. وكان الاحتلال قد أطلق، بعد عملية «طوفان الأقصى»، حملة اعتقال شرسة بحق الفلسطينيات بشكل عام، وحمَلة الهوية الزرقاء (الداخل المحتل) بشكل كبير، تحت ذرائع وهمية، بينما خلق ظروفاً قاسية ومذلّة في السجون، حيث الغرف صغيرة ومراقبة بكاميرات طوال الوقت.
من جهتها، رصدت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» أبرز الانتهاكات التي تعرّضت لها الأسيرات، ومن بينها أخذ المخدات والأغطية (الحرامات) من الساعة السابعة صباحاً حتى السابعة مساء، علماً أن شبابيك الغرف تبقى مفتوحة طوال اليوم ويمنع إغلاقها، على الرغم من الجو البارد والأمطار، وتقوم السجّانات بتفتيش الأسيرات تفتيشاً عارياً ومذلّاً، بشكل يومي، في الصباح والمساء. يُضاف إلى ذلك، قطع الاحتلال الأسيرات عن العالم الخارجي بعد حرمانهنّ من الزيارات والاتصالات بالأهل أو المحامين، كما أنهن ممنوعات من زيارة العيادة وأخذ الأدوية، على رغم أن بعضهن يعانين أمراضاً تستوجب رعاية صحية خاصة، إضافةً إلى اقتحام الغرف والأقسام بشكل مفاجئ عدّة مرات، وتهجّم السجانات على الأسيرات بالضرب والشتم والتهديد من دون أيّ سبب، وإغلاق «الكانتين»، وتقديم وجبات أكل سيئة جدّاً كمّاً ونوعاً، وسحب كل الأدوات الكهربائية والأغراض الشخصية والمستلزمات اليومية من الغرف.