القاهرة | قطعت مصر الطريق، نهائياً، على مقترحات استقبال سكّان قطاع غزة في سيناء، في قرار اجتمعت عليه الجهات السيادية التي أبدت اعتراضاً كاملاً على تلك المقترحات، على رغم وجود بعض الأصوات التي كانت تدعم بحث آلية وسطى، بين استقبال البعض والتعامل مع البعض الآخر وفق اتفاقات منفصلة، بما يسمح بتحقيق «عائد اقتصادي» يساعد مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية الخانقة.وبخلاف الاتصالات التي تولّتها القاهرة سراً وعلناً مع قوى الضغط منذ بداية الحرب، فإن التلويح بالانسحاب من اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، شكّل بالفعل إحدى الأوراق الرئيسيّة التي جرى استخدامها، خاصة في الأيام الأخيرة التي سبقت التوصّل إلى هدنة إنسانية، مع التأكيد أن تبعات هذا الانسحاب والتصدّي لمحاولات فرض أمر واقع مغاير لِما استقرّت عليه الأمور، كلّ ذلك ستكون عواقبه وخيمة على إسرائيل. إلّا أن ذلك التهديد لم يقترن بالتخويف من عودة محتملة لأيّ نزاع حربي بين الجانبَين، بل بالحديث عن «اضطرابات أمنية» محتملة على الشريط الحدودي بسبب وجود مخيّمات لجوء، ستجعل من سيناء «نقطة توتّر» من جديد، في حين أنها لم تكن تشكّل أيّ مصدر خطر على إسرائيل منذ اتفاقية «كامب ديفيد»، وحتى في ظلّ الحرب التي خاضتها الدولة المصرية في مواجهة الجماعات الجهادية، فضلاً عن تداعيات غياب التنسيق العسكري مع تل أبيب على تلك المنطقة.
وعلى خطّ موازٍ، لوّحت مصر أمام الأوروبيين، وخصوصاً الفرنسيين والألمان، بأن الضغط لإدخال فلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، ستصاحبه عودة انطلاق موجات الهجرة غير الشرعية في اتّجاه السواحل الأوروبية، محذرةً من أن قوات الأمن المصرية التي منعت مراكب الهجرة غير الشرعية على مدى 7 سنوات، سيكون اهتمامها منصبّاً على تأمين الحدود أولاً، وهو ما يعني تدفّقاً كبيراً للاجئين على أوروبا. وهذا الأمر نبّه إليه السيسي في اتصالات أجراها مع نظرائه الأوروبيين، ولقاءاته معهم ومع ممثّليهم، محذّراً من أن استمرار الحرب على قطاع غزة، وخروج الأمور عن السيطرة، سيدفع ثمنهما الأوروبيون أيضاً.
ووفق مصدر مصري تحدّث إلى «الأخبار»، فإن هذه الطروحات التي صاغتها الأجهزة المصرية في الأسابيع الماضية، بدأت تؤتي ثمارها، في ظلّ التعامل الأميركي والأوروبي بشكل جدّي معها، بل والتحوّل إلى رفض المقترحات الإسرائيلية بتوطين أهالي غزة في سيناء، وهو أمر حدث سريعاً وانعكس في التصريحات والبيانات الرسمية، بما فيها البيان الصادر عن السفارة الأميركية في القاهرة حول الاتصال الأخير بين السيسي، ونظيره الأميركي جو بايدن. وكشف المصدر أن القاهرة طلبت من الأوروبيين والأميركيين، تسريع إدخال المساعدات إلى غزة، إلى جانب دعمها اقتصاديّاً بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر تسهيل حصولها على قروض جديدة وتسوية أوضاعها مع المؤسسات المالية الدولية، من مثل «صندوق النقد الدولي»، مضيفاً أن انفراجة في هذا الجانب ستحدث بالفعل خلال الأسابيع المقبلة، بالتوازي مع إجراءات اقتصادية داخلية ستُتّخذ للوفاء بالحدود الدنيا من بعض المتطلبات.
ولم تغفل التحرّكات المصرية في الخارج الاستعانة بالداخل، وهو مسار موازٍ جرى العمل عليه بالتنسيق مع الأحزاب والتيارات المؤيّدة للنظام، والتي نظّمت فعاليات عدّة مناهضة لتهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، بالإضافة إلى تنظيم تظاهرات رافضة لهذا الأمر بناءً على توجيه الرئيس الذي خرج بنفسه ليعلن دعمه لهذه التحرّكات. وبالنتيجة، فإن الإستراتيجية المصرية في التعامل مع ملفّ تهجير الفلسطينيين، وإنْ أثارت في فترات سابقة توتّرات مع بعض الفصائل الفلسطينية، إلا أنها كانت ضرورية من وجهة نظر القاهرة لعدم فرض تغيير ديموغرافي، خاصة مع التوقّعات المتشائمة تجاه آلية التعامل الإسرائيلي مع الوضع في قطاع غزة.