في عصر تواجه فيه وسائل الإعلام السائدة ومنصات التواصل العملاقة انتقادات بسبب التحيّز والتقارير الانتقائية، صعدت منصة X (تويتر سابقاً) بسرعة إلى مكانة بارزة باعتبارها ساحة رقمية تسع الجميع، خصوصاً في أوقات الأزمات. تجاوزت أرقامها وسائل الإعلام التقليدية من حيث التفاعل والمشاهدة. هكذا، أصبحت X المفضلة للباحثين عن تغطية بديلة. ويبدو أنّها، حتى الآن، نجحت في إعادة تشكيل المشهد الإعلامي العالمي بالتوازي مع سقف حرية يعدّ عالياً جداً مقارنة بمنصات مارك زاكربيرغ (ميتا). وفي نظرة عامة على X، تقدم لنا أحدث الأرقام التي نشرها موقع exploding topics، في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، صورة أقرب تتيح لنا فهماً أوسع لحركة المستخدمين على المنصة. تضم X قاعدة مستخدمين تحوي أكثر من 550 مليون مستخدم شهرياً (حسب أرقام الشركة)، ما يجعلها لاعباً مهماً في مشهد وسائل التواصل الاجتماعي. يكشف التوزيع الديموغرافي أنّ 58 في المئة من المستخدمين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، ما يسلّط الضوء على شعبيتها بين جيل الشباب.
(لويس مازون ــ برشلونة)

التوزيع الجندري على X يبلغ نسبة 66.72 في المئة للذكور و33.28 في المئة للإناث، وهو أمر لافت، إذ إنّ غالبية منصات التواصل الاجتماعي الأخرى تكون النسبة فيها متساوية تقريباً بين الجنسين. علماً أنّ نسبة الذكور من مستخدمي X شهدت نمواً بنسبة 4 في المئة تقريباً منذ كانون الثاني (يناير) 2023. تتصدر الولايات المتحدة عدد المستخدمين بـ 19.43 في المئة من قاعدة المستخدمين، فيما تشكّل حصة المستخدمين المجمعة للولايات المتحدة واليابان والهند والمملكة المتحدة وتركيا ما يقرب من نصف مستخدمي X حول العالم (49.72%). ويقضي مستخدمو X ما متوسطه 21 دقيقة و25 ثانية لكل زيارة، ما يسهم في إجمالي متوسط وقت يقضيه المستخدم حوالى 34 دقيقة و48 ثانية يومياً. تظهر الأخبار ومواضيع الترفيه كأسباب رئيسية لاستخدام X، وهو ما يشير إليه 48% من المستخدمين. وفي حين تسجّل المنصة حوالى 500 مليون مشاركة يومياً، فإن 10% من المستخدمين ينشئون 92% من إجمالي المشاركات. إذاً، نحن أمام منصة يغلب عليها الشباب الذين تهمّهم الأخبار ومواضيع الترفيه، في الوقت الذي تتولى فيه نسبة 10% منهم تسجيل 92% من التفاعل، أي إنّ هناك جمهوراً متلقياً يحدّد من يريد الاستماع له. وهذه نقطة بالغة الأهمية سنعود إليها.
أن تكون إنساناً في عصر الديجيتال، يعني أن تكون متداخلاً في نسيج شبكة الإنترنت العالمية. في هذا العصر الرقمي، يُعدّ امتلاك حساب على السوشال ميديا بمنزلة امتلاك هوية رقمية تفتح لك باب عالم الويب الأوسع. إنه ليس مجرد حضور افتراضي، بل إنه مفتاح يمنح فرصة الوصول إلى عدد لا يحصى من المنصات والمجتمعات والثقافات والآراء والمعلومات. هي العدسة التي نرى عبرها العالم ونتفاعل معه. مرآة رقمية لحياتنا وأفكارنا وتجاربنا. وفي حين تستمر الحدود بين المجالين المادي والرقمي في التلاشي، وصولاً إلى الانغماس الكلّي للوعي البشري داخل الميتافيرس مستقبلاً، يبقى مشهد المجتمع الرقمي المعولم الحالي أمامنا مقسوماً بين فريقين: منصة X وتطبيق تيك توك من جهة، وكل منصات شركة ميتا من جهة أخرى. منصات ميتا مثل فايسبوك وإنستغرام وثريدز، خلقت جواً يشعر فيه المستخدم بالحذر عند مشاركة أي شيء، ما عدا صور القطط ربما. وخوفاً من رد فعل الخوارزميات العنيف أو انتهاك إرشادات المجتمع، يتردد المستخدمون في مشاركة أي شيء أكثر شخصية أو إثارة للجدل. والشعوب العربية، وتحديداً مناصرو القضية الفلسطينية، يعلمون جيداً كيف توضع حساباتهم تحت المجهر طوال الوقت. وآخر فصول آل زاكربيرغ، تقرير نشره موقع «ذا إنترسبت» في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، كشف عن سلسلة من الإعلانات المدفوعة على فايسبوك، باللغتين العربية والعبرية، تضمنت محتوى عنيفاً «يدعو بشكل مباشر إلى قتل المدنيين الفلسطينيين»، وإعلانات تطالب بـ «محرقة للفلسطينيين» والقضاء على «نساء غزة وأطفالها وشيوخها». واحتوت منشورات أخرى عبارات تصف أطفال غزة بأنهم «إرهابيو المستقبل»، مع الإشارة إليهم بـ «الخنازير العربية». في هذا السياق، قال مؤسس مجموعة «حملة» الفلسطينية لأبحاث وسائل التواصل الاجتماعي، التي قدمت اكتشافها عن الإعلانات لـ «ذا إنترسبت»، إنّ «الموافقة على هذه الإعلانات هي الأحدث في سلسلة من إخفاقات ميتا تجاه الشعب الفلسطيني»، مضيفةً أنه «طوال هذه الأزمة، شهدنا نمطاً مستمراً من التحيز الواضح والتمييز ضد الفلسطينيين».
انتصرت مشاهد أطفال غزة المروّعة في معركة الرأي العام العالمي


في مقابل تحيّز ميتا ضد القضية الفلسطينية وفكرة المقاومة، يجد الجمهور العالمي والعربي حرية أكبر ومساحة رقمية فعلية للتعبير على X، سمح بها إيلون ماسك على المنصة التي يملكها. هذه الحرية خلقت نوعاً من التعاطف من قبل الجمهور العربي مع ماسك الذي لا يمكن إنكار شعبيته بين فئة الشباب حول العالم. كما يرى بعضهم أنّ الملياردير الآتي من جنوب أفريقيا التي شهدت فصولاً كارثية من الفصل العنصري بين البيض والسود، تركت أثراً في داخله، جعله يتعاطف مع شعب شرّدته وقتلته آلة الحرب الإسرائيلية على مدى عقود. هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه في مساء 27 شباط (فبراير) 2023 الماضي، هاجم مستوطنون قرية حوارة في نابلس في الضفة الغربية، حيث دمروا كل ما وصلت إليه أيديهم، مدفوعين بحملات تحريض وكراهية تناقلوها في ما بينهم عبر منصة X، وفقاً لتقرير نشره موقع techpolicy press في 12 أيلول (سبتمبر) الماضي. اجتاحت الهجمات الوحشية السكان الفلسطينيين في هذه القرية، بالتوازي مع تدمير للمنازل والمحاصيل والمركبات، ووقوع حادث إطلاق نار أسفر عن استشهاد فلسطيني. ألم يكن إيلون ماسك مالك المنصة يومها؟ كذلك، سيزور ماسك كيان الاحتلال خلال الأسبوع الحالي، وسيلتقي برئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، في علامة تضامن وسط جدل حول التصريحات الأخيرة التي أدلى بها على منصته. يوم الأربعاء الماضي، نشر حساب breakingbaht@ تغريدة تتحدّث عن أنّ اليهود يؤيدون «الكراهية ضد البيض» ويدعمون هجرة «جحافل الأقليات». وما كان من ماسك إلا أن أيّد المنشور قائلاً: «لقد قلت الحقيقة فعلاً». ومن المتوقع بحسب «فوكس بزنيس»، أن يزور ماسك مستعمرات غلاف قطاع غزة ويرى آثار عملية «طوفان الأقصى». ووفقاً لما ورد، من المقرر أيضاً أن يلتقي الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ.
منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، كان الجميع على X لمتابعة آخر الأحداث. في تقرير بحثي نشره مركز Center for an Informed Public التابع لـ «جامعة واشنطن» في 20 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، سلّط الضوء على ظهور ما يسمونه «النخب الجديدة» على المنصة خلال عدوان قوات الاحتلال على غزة، وكيف أعادت هذه النخب، التي تم تحديدها عبر عملية جمع بيانات جديدة، تشكيل المعلومات على X، ما يشكل «تحدياً لمصادر الأخبار التقليدية».
تكشف النتائج التي توصلوا إليها عن حسابات مؤثرة تهيمن على مصادر الأخبار باللغة الإنكليزية المتعلقة بحرب الإبادة الإسرائيلية. واللافت أنّه لهذه الحسابات متوسّط عدد أقل من المتابعين مقارنة بمصادر الأخبار التقليدية، لكنها تحقق مشاهدات أكبر بكثير. وخلافاً لوسائل الإعلام التقليدية، تعتمد «النخب الجديدة» بشكل كبير على مقاطع الفيديو والصور، التي غالباً ما تؤطّر بأسلوب عاطفي، ما يخلق نمطاً متميزاً من المحتوى. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام أنّ عدداً من هذه الحسابات تلقّت ترقية مسبقة من مالك X، إما عبر توصيات مباشرة أو ردود على محتواها، ما يؤكد تأثير ماسك على ديناميكيات معلومات المنصة.
حدد الباحثون سبعة حسابات بارزة تشكل الخطاب، هي: visegrad24@، وmarionawfal@، وsentdefender@، وspectatorindex@، وwarmonitors@، وcollinrugg@، وcentricmen@. لعبت هذه الحسابات دوراً محورياً، إذ جمعت عدداً مذهلاً من المشاهدات على X بلغ 1.6 مليار مشاهدة على مدار ثلاثة أيام. يتفوق هذا الرقم الاستثنائي على إجمالي 112 مليون مشاهدة حصدتها ستة مصادر إخبارية تقليدية رئيسية على X، بما في ذلك «سي. أن. أن» و«بي. بي. سي»، خلال الإطار الزمني نفسه. ويصبح التناقض أكثر وضوحاً عند النظر في متوسط عدد المشاهدات لكل تغريدة. في حين بلغ متوسط مشاهدة الحسابات الإخبارية التقليدية نحو 376 ألفاً لكل تغريدة، حققت «النخب الجديدة» ما متوسطه 872 ألف مشاهدة لكل تغريدة. يؤكد هذا الاختلاف التأثير الكبير لهذه الحسابات الناشئة ومدى انتشارها في تشكيل الخطاب على المنصة خلال حدث عالمي كبير. علماً أنّ تلك الحسابات منوّعة الآراء. على سبيل المثال، حساب visegrad24@ صهيوني الهوى، في حين أنّ warmonitors@ لبناني ومناصر للشعب الفلسطيني.
لم يعطِ ماسك الأفضلية لحساب على آخر، ولا لرأي على آخر، بل جعل X عبارة عن «كولوسيوم»، تناطحت فيه الآراء والمعلومات والفبركات. لكن في النهاية، انتصرت مشاهد أطفال غزة المروّعة في معركة الرأي العام العالمي. لهذا، تبدو X كأنّها مناصرة للشعب الفلسطيني. وكما أشرنا سابقاً، فـ 10% من صانعي المحتوى على X ينشئون 92% من مجمل التفاعل. بكلمات أخرى، هناك جمهور اصطفى تلك الحسابات عن غيرها، ما يعني أن الرأي العام على المنصة معركة مستمرة ودائمة. هي جبهة جديدة، بحاجة إلى عمل متواصل من قبل الفئات الشابة التي تستطيع نقل قصة شعب فلسطين إلى فئات شابة أخرى حول العالم. كيان الاحتلال غير قادر على ابتزاز جيلي الألفية و«زي» بقصة الهولوكوست، ولا يجب السماح له بابتزازهم بعد عملية «طوفان الأقصى». يجب أن يصل ما حدث مع الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاماً إلى كلّ الشباب حول العالم، وأن يعلموا ما الذي دفع بـ «حماس» إلى السابع من أكتوبر.