في اليوم الثالث للهدنة، كانت إسرائيل أكثر ارتباكاً، الأمر الذي انعكس على موقف الإدارة الأميركية أيضاً، ولا سيما مع طرح احتمال تمديد الهدنة إلى ما بعد موعد نهايتها صباح غد الثلاثاء، ومع ظهور حركة «حماس» في مظهر المسيطر على الوضع في قطاع غزة، على رغم القصف الإسرائيلي الهائل، وهو ما أبرزته الصحافة الإسرائيلية، ولا سيما تلك المؤيدة لليمين. ومع استمرار عملية تبادل الأسرى بواقع 14 إسرائيلياً، بينهم حاملان للجنسية الأميركية، مقابل 39 فلسطينياً، بالإضافة إلى روسيٍّ وتايلانديين اثنين أطلقتهم «حماس» من خارج الصفقة، فضلاً عن استمرار دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بدأ الحديث جدياً عن تمديد الهدنة.في هذا السياق، جاء كلام الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي قال، في خطاب في ماساشوستس تطرّق فيه إلى الإفراج عن طفلة أميركية كانت محتجزة في القطاع، إن «هدفنا أن تستمر هذه الهدنة بحيث نرى الإفراج عن رهائن آخرين ومزيداً من المساعدات الإنسانية» إلى غزة. ثم أضاف نائب مستشاره للأمن القومي، جون فاينر، أن تمديد صفقة التبادل ممكن، وسيتم إذا كانت «حماس» مستعدة لمواصلة إطلاق الرهائن، فيما أعلنت «حماس»، في بيان، أنها تقوم بجهود جدية لتمديد الهدنة من خلال زيادة عدد المفرج عنهم من المحتجزين. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر مقرّب من الحركة القول «إننا نتوقع أنّ بإمكان المقاومة تأمين إطلاق سراح ما بين 20 إلى 40 من الأسرى الإسرائيليين (الإضافيين)» ما يعني تمديداً قد يصل إلى أربعة أيام. وكذلك، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد اتصال ببايدن، بفكرة إطلاق عشرة أسرى مقابل كل يوم هدنة إضافي، فيما اجتمع مجلس الحرب الإسرائيلي، ليل أمس، لبحث التمديد، بحسب «القناة 12» الإسرائيلية.
وعلى رغم أن التمديد الذي يجري الحديث عنه مرتبط بتبادل الأسرى، وليس مفتوحاً، إلا أن أيام الهدنة الثلاثة الماضية أظهرت فقدان الحرب الإسرائيلية على القطاع زخمها بشكل إضافي، ما يُبرز صعوبة استئنافها بالنسبة إلى جيش الاحتلال، رغم محاولة نتنياهو، تجاهل تلك الحقائق، عندما زار جنوده في قطاع غزة لرفع معنوياتهم من جهة، ولتعويم نفسه من جهة أخرى، مجدداً معزوفة أن «الحرب ستستمر حتى تحقيق النصر، من خلال الإفراج عن جميع الأسرى، والقضاء على حركة حماس، وضمان أن لا يمثل قطاع غزة تهديداً لإسرائيل بعد اليوم». لكن الكاتب الإسرائيلي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» اليمينية، ناحوم بارنياع، عكس صورة مختلفة تماماً للوضع، حينما اعتبر أن التأخير في إطلاق الأسرى لعدة ساعات أول من أمس، وتهديد «حماس» بالتوقف عن تنفيذ الصفقة إذا واصلت إسرائيل منع وصول المساعدات إلى الشمال، يظهر أن رئيس الحركة في غزة، يحيى السنوار، يحتفظ بالسيطرة على القطاع.
الصحف الإسرائيلية: «حماس» لا تزال تسيطر على غزة. وأيّ كلام عن هزيمتها سابق لأوانه ويمثّل تمنّيات


وبعد ما وصفه بالدراما التي أفقدت الإسرائيليين أعصابهم، اعتبر أن «حماس لا تزال تسيطر على غزة. وأي كلام عن هزيمتها سابق لأوانه، ويمثّل تمنيات، وليس حقيقة مرتكزة على وقائع. فقد أظهرت الحركة قوتها في المساومات الأخيرة السبت. وبالتالي من المتوقّع أن تتعزّز تلك السيطرة لا أن تضعف مع الاستمرار في الهدنة». كما أشار إلى أن «الاتفاق الذي جرى بوساطة الولايات المتحدة وقطر، ليس محكماً، وثمة تفسيرات مختلفة لمكوّناته. ولذلك فإن مزيداً من العقبات ستظهر، وسيتم طرح المزيد من المطالب على ظهر أولئك الذين سيُفرج عنهم». ورأى أن «الحكومة الإسرائيلية ستصارع لتنفيذ الصفقة على علّاتها بعدما التزمت بها، بسبب ضغط الرأي العام والتعاطف الذي صار يربط الجمهور الإسرائيلي بالأسرى وعائلاتهم. فأيّ تأخير سيصيب هؤلاء بخيبة أمل وشعور بالفشل ويضع الحكومة في موقف ترغب في تجنّبه»، مضيفاً أن «التهديد الذي أطلقته إسرائيل باستئناف الحرب إذا لم تفرج حماس عن الأسرى، متسرّع وفارغ، ولا سيما أن الأمر يتعلّق بحياة الكثيرين». وخلص إلى أن «أعضاء الحكومة يقاتلون من أجل مستقبلهم السياسي الخاص. وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما قال نتنياهو في مؤتمر صحافي إن الاتفاق يتضمّن زيارات للصليب الأحمر لباقي الأسرى، لكنّني تحقّقت من الأمر ووجدت أن الاتفاق لا يتضمّن التزاماً من قبل حماس بالسماح بتلك الزيارات. ونتنياهو كان يعلم عندما سحب هذه الورقة بأنها فارغة، فهو ليس أحمق، لكن الكثير من ناخبيه حمقى».
وفيما فرضت إسرائيل تعتيماً على كلام أسراها المحرّرين حول ظروف احتجازهم، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن بعض أقارب هؤلاء قولهم إن الأسرى كانوا خلال الاحتجاز مقطوعين تماماً عن العالم الخارجي. وبالفعل، لم تظهر علامات الرعب التي يمكن أن يثيرها انفجار آلاف الأطنان من القنابل التي ألقتها إسرائيل على القطاع، وخاصة أن الحديث يجري عن نساء وأطفال، ما يفيد بأن الحركة تملك ملاجئ محصّنة وآمنة تعزل من بداخلها عمّا يجري في الخارج. وفي تجسيد ميداني لاستمرار سيطرة «حماس» على غزة، حوّلت الحركة إطلاق المجموعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين، إلى استعراض للقوة في وسط مدينة غزة، ما ينفي تماماً كلام نتنياهو وغالانت قبل نحو أسبوعين عن «فقدان الحركة سيطرتها» على المدينة، ويزيد في المشاكل التي سيواجهها الطرفان. ويفيد امتزاج هذا المشهد، بمشهد الاستقبال الاحتفالي للأسرى المحرّرين في الضفة الغربية، بتعزيز نفوذ المقاومة وقوّتها على كل الأراضي الفلسطينية.
في هذا الوقت، استمر العدوّ في خرق الهدنة من خلال إطلاق النيران على العائدين إلى شمال قطاع غزة، حيث استُشهد مزارع فلسطيني بالرصاص الإسرائيلي في مخيّم المغازي المتاخم لشارع صلاح الدين في وسط القطاع.