غزة | في اليوم الرابع من وقف إطلاق النار المؤقّت، لم تقلب المساعدات المخصّصة لمناطق شمال غزة، الواقع المعيشي إلى حال أفضل، إذ إن شاحنات المساعدات، التي وصلت في اليوم الثاني، لم تعرف طريقها إلى أكثر أحياء الشمال والغرب؛ وذلك ببساطة لأن التعليمات التي تلقّاها سائقو الشاحنات تضمّنت قراراً صارماً بعدم تسليم تلك الكميات إلى أيّ جهة محلية. وبحسب مصدر في «لجنة الطوارئ الأهلية»، فإن العدو تقصّد أن تحيط الفوضى بعملية توزيع المساعدات. ويضيف المصدر: «جاء سائقو الشاحنات إلى وسط الأحياء المكتظّة، وفقدوا السيطرة، فتعرّضت كميات كبيرة من الطحين والمياه والمعكرونة للنهب والتوزيع العشوائي غير المدروس أو المنظّم». الطريق التي سلكتها شاحنات المساعدات التي لا يتجاوز عددها المئة بكثير، هي شارع صلاح الدين. لكنّ مصدراً أهلياً يفيد، «الأخبار»، بأن «الوصول إلى مناطق جباليا كان محالاً، لأن عصابات من النهابين نصبت حواجز على الطريق، واقتادت شاحنات كاملة لمصلحتها». وفيما يغيب الحضور الحازم للأجهزة الأمنية التي دُمّرت كلّ مقرّاتها، فإن إمكانية استرجاع أيّ من المسروقات تبدو مهمّة عسيرة. في مخيم جباليا، التقينا أبو العبد، وهو مواطن يسكن رفقة عائلته الممتدّة في بيت يؤوي أكثر من 130 شخصاً. يقول: «منذ صباح اليوم، وأنا أحاول شراء كيس طحين واحد، توقّعت أن يتسبّب دخول المساعدات بتوفّره، لكنّ الواقع لم يتغير». ويضيف الرجل في حديثه إلى «الأخبار»: «لقد وصل سعر كيس الدقيق زنة 20 كيلو قبل الهدنة، إلى 100 دولار، ويقال إن سعره انخفض إلى 50 دولاراً، لكنه على أيّ حال مفقود».
على أن التطوّر الإيجابي الذي سمح به وقف إطلاق النار في السياق، هو تمكّن الآلاف من الأهالي من الوصول إلى منازلهم، وانتشال ما استطاعوا منها من أغطية وملابس ومواد تموينية، بالإضافة إلى تمكّن المزارعين من حصاد محاصيل كانت مفقودة خلال الـ50 يوماً الماضية، مثل البرتقال والليمون والبصل والبندورة. وبرغم ارتفاع سعرها بعشرة أضعاف عمّا كان عليه سابقاً، فإن مشهد خروج الأهالي إلى الأسواق ترك أثراً نفسياً إيجابياً. وفي هذا الإطار، يقول غسان معين، وهو موظف حكومي في وزارة التربية والتعليم: «كنّا نشتهي الخُضر والفواكه، لكنّ سعر كيلو البندورة وصل إلى 18 شيكلاً (1 دولار يساوي 3.7 شيكل) وجيوبنا فارغة، لم نتلقّ أيّ مبلغ مالي منذ بدء الحرب، ولم يكُن في جيوبنا قبل الحرب قرش أبيض لنخبّئه لهذه الأيام السوداء»، مضيفاً أن «النتيجة واحدة: الجوع رفيق الحرب».
في شمال غزة وغزة المدينة، كشفت أيام التهدئة الأربعة أن الكتلة الأكبر من سكان تلك المناطق لم تغادر منازلها


في شمال غزة وغزة المدينة، كشفت أيام التهدئة الأربعة أن كتلة كبيرة من سكّان تلك المناطق لم تغادر منازلها؛ إذ إن الطريق الذي يصل الشمال بالجنوب لم يزدحم بالنازحين. والظاهر أن الحكايات التي تُسمع عن أحوال الأهالي في المحافظات الجنوبية، دفعت مئات الآلاف إلى أن يفضّلوا الموت قتلاً بالصواريخ، على الموت جوعاً. تقول ريم محمد، وهي نازحة من حيّ النصر إلى مدنية خانيونس، إن «الأسعار ارتفعت 500 ضعف، والبضائع معدومة، كما انعدمت الوحدات السكنية التي يمكن أن يلجأ إليها النازحون». وتتابع في حديثها إلى «الأخبار»: «سعر علبة الخميرة قبل الحرب كان 6 شواكل، سعرها اليوم 50 شيكلاً. سعر كيلو الملح، ارتفع من شيكل واحد إلى 19 شيكلاً. سعر كيلو الطحينة ارتفع من 14 شيكلاً إلى 70. لا يوجد خبز ولا ومياه، عشرات الآلاف يبيتون في الشوارع، حتى مراكز الإيواء مكتظّة». أمّا في جباليا، فالتقينا أم محمود التي سألتنا سريعاً: «هل ستتجدّد الهدنة؟»، فأجبنا بـ«إن شاء الله خير ... ليش رح تروحي على الجنوب يا حجة؟»، فأجابت من دون تردّد: «لا والله، ما بنعيش النكبة مرّتين، اقتلونا جميعاً أرحم من ذلّ الخروج من منازلنا».