رام الله | على وقع المرحلة السادسة من عملية تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، ارتفعت وتيرة التصريحات الدولية الداعية إلى تمديد الهدنة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق نار، وإبرام صفقة شاملة. وهو ما قوبل بتأكيد قادة العدو نيّة العودة إلى القتال بمجرّد «استنفاد مرحلة إعادة الرهائن»، بحسب ما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مضيفاً أن «هذه المسألة محسومة، والأهداف الإسرائيلية المُعلنة من الحرب على غزة، لا تزال قائمة». وفي الدفعة السادسة من التبادل، أفرجت سلطات الاحتلال، ليل أمس، عن 30 أسيراً فلسطينياً (16 طفلاً، 14 أسيرة)، مقابل 10 أسرى إسرائيليين، إضافة إلى إطلاق المقاومة سراح محتجزتَين روسيتَين استجابةً لطلب القيادة الروسية، بحسب بيان «حماس»، و4 تايلنديين تمّ تسليمهم إلى «الصليب الأحمر». وسبق تسليمَ الأسرى الإسرائيليين قيام مقاومي «كتائب القسّام» باستعراض عسكري في شوارع منطقة القرارة شمال شرق خانيونس، وسط حفاوة جماهيرية كبيرة.أمّا على المقلب الآخر، فقد شملت قائمة الأسرى المُفرج عنهم، 7 أسيرات من الداخل الفلسطيني المحتلّ لأوّل مرة، وأسيرتَين من القدس، و3 أسيرات من رام الله و3 من مدينة الخليل. ومن بين أبرز الأسماء المفرج عنها، أم عاصم البرغوثي، والدة الشهيد صالح والأسير عاصم البرغوثي، بينما شملت قائمة الأطفال المحرّرين، 6 من القدس، و3 من بيت لحم، واثنين من رام الله، واثنين من جنين، وآخر من الخليل، وآخر من أريحا. واستقبلت مدينة رام الله، أمس، وسط حضور جماهيري كبير، الأسرى والأسيرات المحرّرين، بهتافات مؤيّدة للمقاومة، التي أوفت بوعدها بتحرير الأسرى. ويُشكّل الإفراج عن معتقَلين من الداخل المحتلّ، أمراً استثنائياً، قد يُسهم في التوطئة للإفراج عن أصحاب الأحكام العالية من الداخل، إذا ما أُبرمت صفقة تبادل شاملة مستقبلاً.
وعلى وقع انتهاء اليوم السادس من الهدنة، يُجري الوسطاء - ولا سيما المسؤولون القطريون والمصريون - اتصالات مع حركة «حماس» وإسرائيل، لتمديدها بتوجيه من الإدارة الأميركية، فيما أبدت حكومة الاحتلال استعدادها للتمديد الهدنة في حال تسلّمت قوائم جديدة من الأسرى الإسرائيليين للإفراج عنهم من قِبل المقاومة، وهو ما يبدو مرجّحاً حصوله. وتشهد المنطقة حراكاً سياسياً، بدأ بعقد اجتماعات لقادة مخابرات إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر في الدوحة، وسيتواصل بزيارة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة، يلتقي خلالها مسؤولي الاحتلال ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وقال بلينكن قبيل زيارته للمنطقة: «سأركّز خلال زيارتي لإسرائيل على بذل الجهود من أجل تمديد الهدنة، ونودّ أن تستمرّ الهدنة لتوصيل مزيد من المساعدات وإطلاق سراح الرهائن». على أن مزاعم بلينكن عن سعيه للحدّ من سقوط الضحايا بين الفلسطينيين وتخفيف معاناتهم، والتي تأتي بعد 50 يوماً من الضوء الأخضر الأميركي للعدوان، والمشاركة بالخبرة والذخيرة في القتل والمجازر في غزة، لا تعني، في أي حال من الأحوال، تخلّي الولايات المتحدة عن حرب إسرائيل، إذ قال بلينكن: «سنناقش مع إسرائيل كيفية تحقيق أهدافها لمنع تكرار ما حدث في 7 تشرين الأول الماضي».
ما يسيطر على المباحثات السياسية هو إمكانية إبرام صفقة كبيرة


من جهتها، أبدت قطر تفاؤلاً في شأن تمديد الهدنة ليومَين إضافيَّين، إلى جانب تطوير المرحلة المقبلة من صفقة التبادل، وصولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار. وبحسب ما رشح عن لقاءات رؤساء أجهزة الاستخبارات في الدوحة، فقد تمّ «التفاهم» على خمس فئات من الرهائن، يمكن إطلاق سراحهم في صفقات مستقبلية، علماً أنه لم يتمّ الاتفاق بعد على عقد مثل هذه الصفقات. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الفئات هي: الرجال الذين تجاوزوا سنّ الخدمة في الجيش، والنساء المجنّدات، والجنود في الاحتياط، والرجال في الخدمة النظامية، وجثث الإسرائيليين الذين قُتلوا قبل أسرهم أو قضوا أثناءه. وفي وقت قالت فيه حكومة الاحتلال، على لسان الناطق باسمها، إن «161 رهينة إسرائيلية لا يزالون في قطاع غزة»، أعلن الناطق باسم جيش الاحتلال أن هناك «حوالى 159 شخصاً محتجزين في قطاع غزة».
وفي ظلّ التفاؤل بتمديد الهدنة ليومَين أو ثلاثة، فإن ما يسيطر على المباحثات السياسية هو إمكانية إبرام صفقة كبيرة شاملة، أو ما يُعرف بصفقة «الكلّ مقابل الكلّ»، جنباً إلى جنب وقف الحرب، وإرساء تهدئة طويلة الأمد. وبينما أبدت «حماس» استعدادها لمثل هذه الصفقة، أبقت إسرائيل الباب موارباً، من خلال إبدائها انفتاحاً على ذلك بعد الانتهاء من مرحلة الإفراج عن المدنيين من النساء والأطفال. لكنّ هذا الغموض، وتحديداً حول مسألة وقف الحرب، أثار ردود فعل عاصفة في كيان الاحتلال، جدّد نتنياهو وشركاؤه في «كابينت الحرب» على ضوئها، استعدادهم للعودة إلى القتال فور انتهاء الهُدن المتتالية وتبادل الأسرى. ومن جهته، سارع وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، إلى إعلان موقفه ممّا يجري تداوله في شأن الصفقة الشاملة، قائلاً إن أعضاء حزبه الستة سيتركون الائتلاف الحكومي، إذا تقرّر وقف الحرب. وذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، أن «الهدف الأسمى للحرب هو القضاء التامّ على حماس. وأيّ صفقة تقضي بإبقاء حماس على قيد الحياة ستؤدّي إلى المزيد من الكوارث، مثل كارثة السبت الأسود، في حين أن مثل هذه الصفقة تعني انتصار حماس في الحرب. يجب ألّا نوافق على مثل هذه الصفقة بأيّ شكل من الأشكال، وفي أيّ حال، لن يكون حزب «قوة يهودية» جزءاً من أيّ حكومة تسمح لحماس بالاستمرار في الوجود». ومن جهته، أعلن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية)، رفضه اقتراح وقف الحرب، قائلاً: «هذا ليس مطروحاً على جدول الأعمال. ولا حتى كاقتراح. لا يوجد أيّ نقاش حول هذا الموضوع على الإطلاق. هذه خطّة للقضاء على دولة إسرائيل. سنستمرّ حتى النصر الكامل بإذن الله وتدمير النازيين من حماس».
وكما نجحت «حماس»، منذ بداية الحرب، في الدفع بورقة الأسرى كسلاح قوي وفعّال لكبح جماح العدوان الإسرائيلي، وفرملة اندفاعة نتنياهو وشركائه، وإجبارهم على إبرام صفقة التبادل، فإنها تبدو قادرة على إحداث مفاجآت في الأيام القليلة المقبلة في شأن المرحلة المقبلة من الصفقة، وهي الأهم. ولعلّ الحركة بدأت بتفعيل أدوات ضغطها أمس، في آخر أيام الهدنة، مع إعلان «كتائب القسام» مقتل 3 رهائن في قصف إسرائيلي سابق، لتضع ضغطاً جديداً على قادة الاحتلال. ويقرّ المحلّلون الإسرائيليون بقدرة «حماس» على تحقيق أهدافها في هذا الملفّ، ويتوقّعون أن تضع تحدّياً كبيراً أمام صنّاع القرار في إسرائيل في المرحلة المقبلة، وكلّ ما يتعلّق باستمرار المفاوضات حول الأسرى الآخرين لديها (الجنود والضباط والرجال)، بهدف تمديد مدّة وقف إطلاق النار بقدْر الإمكان، ما قد يؤدّي إلى وقف الحرب في غزة. وإزاء كل التعليقات من الصحافيين والمحلّلين الإسرائيليين، كان لافتاً ما ذكره الصحافي في «يديعوت أحرونوت»، ناداف إيال، نقلاً عن ضابط إسرائيلي كبير سابق، قال إن «مَن يوافق على سحب الفرق العسكرية من غزة، في الوضع الراهن (إنجاز صفقة الكلّ مقابل الكل)، سيكتشف أن إحدى تلك الفرق ستصعد مباشرة إلى القدس»، في تلميح إلى انقلاب عسكري سيقوم به الجيش ضدّ الحكومة.