غزة | واحد من أكثر الأخبار الكاذبة رواجاً هذه الأيام، هو أن الاحتلال الإسرائيلي قَيّد استخدامه للقوّة النارية (القاتلة)، بناءً على طلب أميركي، عقب الوقف المؤقت لإطلاق النار؛ إذ إن الوقائع التي سُجّلت في كلّ مناطق قطاع غزة، تشير إلى خلاف ذلك: زيادة فعلية في القصف، بسلاحَي الطائرات الحربية والمدفعية على السواء. أمّا الجديد الذي تمّ تسجيله أخيراً، فهو إعلان الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، في مقطع مصوّر، عن تقسيم جميع مناطق القطاع، إلى مربّعات سكنية، يحمل كلّ منها لوناً (ورقماً)، على أن يتمّ، على حدّ زعمه، إنذار سكان كل مربع بإخلائه إلى مربع آخر، في حال تطلّب الأمر، فيما أثارت الخرائط التي نشرها أدرعي حالة من الإرباك في صفوف النازحين، ولا سيما أنها لم تتضمّن أيّ طريق واضح للإخلاء، كما أنها لم تحدّد المناطق الآمنة من عدمها. ويوم أمس، عاش سكان شمال غزة، على وقع إعلانات أدرعي، إذ خرج آلاف من الأهالي من منازلهم في شرق مفترق الترنس وسط مخيم جباليا، بعد استهدافهم بقذائف المدفعية، واتصال ضباط الاستخبارات الإسرائيلية على هواتفهم طلباً للإخلاء، في الوقت الذي كان فيه سكان غرب دوار الترنس، يخرجون هم أيضاً من منازلهم ويتوجّهون إلى مناطق شرق الترنس. ويقول وليد الشريف، وهو أحد سكان البلوك 5، في حديثه إلى "الأخبار": «اتصل بنا ضابط المخابرات الإسرائيلي، وطالبنا بالخروج من منازلنا والتوجّه إلى المناطق الآمنة، لأنه سيتمّ قصف عدد من البيوت في محيط منزلنا، وعندما خرجنا إلى مربّع مدارس وكالة الغوث، وجدنا سكانها يغادرونها. وهكذا، انتهى بنا الحال في الشوارع حتى شروق الشمس، وعدنا ولم نجد أيّاً من البيوت التي تم تهديدها بالقصف قد قُصفت».
لا يبدو أن جيش الاحتلال في وارد التراجع عن العماد الرئيسيّ من عمليته في القطاع، وهو إلحاق أكبر قدر من الأذى بالمدنيين


الإرباك والضغط النفسيان الشديدان اللذان أنتجتهما سياسة التهديد، لم يعطّلا سياسة استهداف المنازل على رؤوس سكانها، والتي كانت "أيقونة" العمل العسكري الحالي، إذ نفّذت طائرات الاحتلال، خلال اليومَين الماضيَين، عشرات المجازر بحقّ المدنيين، من دون أيّ تنبيه للسكان بالإخلاء. ففي منطقة الفالوجا، جنوب مخيم جباليا، قصفت الطائرات الحربية مبنى يعود إلى عائلة أبو عبيد، مكوّناً من خمس طبقات، بعدد من القنابل المتفجّرة. ويفيد فايز معين، وهو أحد سكان الحيّ، في حديثه إلى "الأخبار"، بأن «عمارة عائلة أبو عبيد، يسكنها أكثر من 100 شخص، وفتحت أبوابها لاستقبال النازحين، ودُمّرت على رؤوس سكانها من دون أيّ تنبيه أو تحذير. انتشلنا العشرات من الشهداء، ولا يزال أكثرهم تحت الركام». وظهر أمس، نفّذت الطائرات الحربية غارة طاولت مبنى لعائلة أبو عيطة في حيّ تل الزعتر، ليقضي العشرات من الشهداء أسفل طبقاته الأربع. ويؤكد نسيم أبو عيطة أنه «من دون سابق إنذار، قصفوا المنزل على رؤوس عائلتنا، في المنزل أكثر من 150 شخصاً، لا نعرف مصير أكثرهم». أمّا حي الشجاعية، شرقي مدنية غزة، فقد شهد المجزرة الأكثر بشاعة، إذ دمَّرت الطائرات الحربية مربعاً سكنياً مكوّناً من 50 منزلاً بالقنابل الثقيلة، فيما تشير الإحصائيات الرسمية الأولية التي قدّمتها وزارة الصحة، إلى أن أكثر من 250 شهيداً قضوا تحت ركام تلك المنازل.
وبناءً على ما تقدَّم، لا يبدو أن جيش الاحتلال في وارد التراجع عن العماد الرئيسي من عمليته في القطاع، وهو إلحاق أكبر قدر من الأذى بالمدنيين، ومواصلة تدمير أكبر مساحة ممكنة من الكتلة العمرانية فيه. «الهدف أن تكوي هذه الحرب وعي الجميع، وأن نعود جميعاً إلى الأحياء التي نسكنها، فلا نجد مساكن نقيم فيها»، يقول هشام فادي، وهو معلّم حكومي، يسكن في حي العامودي. ويضيف، في حديثه إلى "الأخبار": «دفع الناس الفاتورة الكبرى من الدماء والأذى. يريدون أن يتركوا فينا أذى نفسياً لا يُنسى، حتى وإن توقّفت الحرب».