توماس فريدمان فيما تبحث إسرائيل خطواتها التالية في غزة، آمل أن تفكّر القيادة السياسية - العسكرية الإسرائيلية ملياً في القول المأثور الذي يُنسب إلى كونفوشيوس: «قبل أن تبدأ الرحلة نحو الانتقام، تذكّر أن تحفر قبرين: واحد لعدوك، والآخر لنفسك».
ما أثار مخاوفي حول غزو إسرائيل لغزة هو أن تصرفات تل أبيب كانت مدفوعة بالغضب الأعمى، وبهدف بعيد المنال، يتمثل في محو «حماس» عن وجه الأرض، وفقاً لما أعلن عنه أحد الوزراء الإسرائيليين، وسط غياب أي خطة لما يجب فعله صباح اليوم التالي من الحرب.
قد يجعل هذا كله إسرائيل تعلق في غزة إلى الأبد، ويجبرها على تحمّل كل ما فيها من علل، وحكم أكثر من مليونَي شخص يعيشون في أزمة إنسانية، والأسوأ من ذلك، تشويه سمعة الجيش الإسرائيلي الذي كانت تحاول إعادة ثقة الإسرائيليين به.
بصراحة، فكّرت في أميركا بعد 9/11، متسائلاً عمّا كنت قد أريد فعله قبل أن نشنّ حربين انتقاميتين في أفغانستان والعراق، واللذين دفعنا ثمناً باهظاً في سبيلهما؟
في الواقع، أتمنّى لو أنني جادلت أكثر لمصلحة ما تسميه «وكالة المخابرات المركزية» «الخلية الحمراء» أو «الفريق الأحمر»، وهو عبارة عن مجموعة من ضباط المخابرات من خارج القيادة العسكرية أو السياسية المباشرة، مهمتها الرئيسة دراسة خطط الحرب وأهدافها للعراق وأفغانستان، واقتراح «بدائل متناقضة لأهداف قابلة للتحقيق»، لاستعادة أمن الولايات المتحدة وردعها. وبعدئذ، كان يجب أن يتم الكشف عن توصيات «الفريق الأحمر»، إلى العلن، قبل أن نتوجه إلى الحرب.
بناءً على ما تقدّم، أقترح على إسرائيل إنشاء لا فقط «فريق أحمر»، يحدد لها كيفية التعامل مع «حماس»، ولكن «فريق أزرق» أيضاً، لتقييم «الفريق الأحمر». بمعنى آخر، تحتاج إسرائيل إلى خوض نقاش داخلي أقوى بكثير، لأنها اندفعت بوضوح إلى حرب ذات أهداف متعدّدة ومتناقضة.
في مواجهة هذا المأزق، كان «الفريق الأحمر» ليقترح بديلاً جذرياً عما تريده إسرائيل، وهو التالي: يجب على تل أبيب أن تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار، يليه انسحاب فوري لجميع القوات العسكرية الإسرائيلية من غزة، مقابل أن تعيد «حماس» جميع الرهائن، من مدنيين وعسكريين، والقتلى لديها، إنما من دون إعطاء «حماس» سجناء فلسطينيين في المقابل.
وكان «الفريق الأحمر» ليستعرض خمس مزايا لهذه الإستراتيجية:
الأولى هي أنّ «حماس»، في حال رفضت وقف إطلاق النار لتحقيق هدفها الإنساني المتمثّل في إطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين، ستتعرّض للضغط من سكان غزة بدلاً من أن تقع مسؤولية وقف الدمار وقتل المدنيين على مسؤولية إسرائيل وحدها. كما أن إسرائيل ستضمن أنها لم تمنح «حماس» انتصاراً عسكرياً كبيراً من خلال الإفراج عن 6 آلاف سجين فلسطيني. أي إن الصفقة يجب أن تكون نظيفة، وتشمل وقف إطلاق النار مقابل الأسرى الإسرائيليين فقط.
وثانياً، في حال اشتكى البعض، وعلى الأرجح سيكونون كثراً، من أن الجيش الإسرائيلي لم يحقّق هدفه المعلن في القضاء على «حماس»، ويرى في ذلك انتصاراً للحركة، فسيكون رد «الفريق الأحمر»، أنّه منذ البداية، كان ذلك الهدف غير واقعي، ولا سيما في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية ترفض العمل مع السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً في الضفة الغربية، للتوصل إلى بديل من إدارة «حماس» للقطاع. وسيجادل «الفريق الأحمر» أنّ ما ستحققه إسرائيل، هو أنها سترسل رسالة الردع القوية التالية إلى «حماس» و«حزب الله» في لبنان: إذا دمّرت قرانا، فسوف ندمر قراك 10 مرات أكثر.
تحتاج إسرائيل إلى خوض نقاش داخلي أقوى بكثير لأنها اندفعت بوضوح إلى حرب ذات أهداف متعدّدة ومتناقضة


وسيتم، ثالثاً، ردع «حماس» كما حصل بعد القصف المدمّر على الجماعات الموالية لحزب الله في الضاحية الجنوبية عام 2006، كما سيتم قلب الرأي العام في غزة ضد «حماس» ويحيى السنوار الذي سيسائله سكان غزة بعد وقف الحرب عن الدمار الذي لحق بأراضيهم ومنازلهم.
ورابعاً، تتمثل إحدى أكبر الفوائد الإستراتيجية لخروج إسرائيل من غزة مقابل وقف إطلاق النار الخاضع للمراقبة الدولية، في أنّها ستكون قادرة على تركيز اهتمامها الكامل على حزب الله في جنوب لبنان، في وقت يريد حزب الله وإيران أن تكون إسرائيل منهكة عسكرياً بشكل دائم، وإجبارها على الإبقاء على جزء كبير من جنود الاحتياط البالغ عددهم 300 ألف - الذين يدفعون اقتصادها - معبّئين لحكم غزة.
وأخيراً، سيؤكد «الفريق الأحمر» أن إسرائيل يجب أن تبدأ عملية الشفاء من الداخل. فهذا الهجوم المفاجئ وقع لأن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، هو الذي مزّق البلاد بمحاولة القيام بانقلاب قضائي مجنون وحكم إسرائيل لما مجموعه 16 عاماً بإستراتيجية قائمة على تقسيم جميع فئات البلاد، ما أضعف مناعتها. ولا يمكن لإسرائيل أن تتعافى داخلياً وأن تستأنف مشروعها لتطبيع العلاقات مع جيرانها العرب وإقامة علاقة مستقرة مع القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً في الضفة الغربية إلا برحيل نتنياهو. وإذا استمرت الحرب إلى الأبد، فلن يحدث ذلك أبداً. وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو.
ولكن ماذا كان ليقول «الفريق الأزرق»؟ سيرد الأخير على «الفريق الأحمر» بالقول إنّ هناك فكرة أفضل، تبدأ أولاً بخفض سقف أهدافنا، ليصبح هدف الجيش ليس محو «حماس» من على وجه الأرض، إنما التقليل بشكل كبير من قدراتها القتالية. لأنّ هذا الفريق لا يؤمن بنظرية الردع، ويعتبر أنّه لم يتم ردع «حزب الله» فعلياً منذ عام 2006، بل إنّ ذلك كان مجرّد وهم.
أخيراً، كان «الفريق الأزرق» ليقول للقيادة السياسية الإسرائيلية: «توقّفوا عن الكذب على أنفسكم وعلى الشعب. إذا أردنا غزو غزة بأكملها والاحتفاظ بها، فهي ستبتلعنا. ليس هذا فقط، بل ستزيدون الشكوك في أذهان الرأي العام حول الجيش، من خلال إعطائه مهمة غير قابلة للتنفيذ. ولا تستطيع إسرائيل تحمّل المزيد من التشكيك في جيشها».
باختصار، تحتاج إسرائيل إلى هذا النوع من النقاش الداخلي، حيث يمكن لفريق أحمر إسرائيلي وفريق أزرق تذكير قيادة البلاد بأنه ما من نتيجة مثالية تنتظر إسرائيل في غزة، وأنّ إصلاح غزة «مرة واحدة وإلى الأبد»، كان دائماً ضرباً من الخيال.

نُشر في «نيويورك تايمز»،
ترجمة: ريم هاني