قد يبدو، للوهلة الأولى، أن ثلاثة مسؤولين أميركيين يرسمون سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؛ وهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان. على أن ثمّة رجلاً رابعاً لا يتمّ عادةً التحدث عنه كثيراً، على الرغم من التأثير الكبير الذي يتمتّع به على هؤلاء المسؤولين جميعهم. هذا الرجل هو منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «مجلس الأمن القومي»، بريت ماكغورك، الذي «يقود» حالياً، بمساعدة عدد من الخبراء، عملية التخطيط الأميركية لمستقبل الحرب في غزة، ويدفع في اتجاه استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، بهدف التوصّل، في نهاية المطاف، إلى «صيغة جديدة» لحكم الأخير، تشبه إلى حدّ كبير «التنسيق الأمني» القائم بين السلطة الفلسطينية والاحتلال في الضفة الغربية، على الرغم من الأصوات التي تعبّر بشكل متزايد، من داخل الإدارة الأميركية، عن رفضها للسياسة التي يتبعها بايدن تجاه الحرب، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفرض «قيود» حتى على المساعدات العسكرية الأميركية السنوية إلى إسرائيل. ووصف بعض المسؤولين الذين عملوا مع ماكغورك، الأخير بأنّه ذو أسلوب «فظ»، مشيرين إلى أنه ينجح في «استبعاد» كلّ من يخالفه الرأي عن دائرة صنع القرار، ويقوّض حتى سلطة وزارة الخارجية الأميركية في بعض المسائل، ولا سيما في ما يتعلّق بالملف الفلسطيني.وفي أعقاب تعيين ماكغورك في منصبه الأخير، بعدما كان من المسؤولين الأميركيين القلائل الذين عملوا مع أربعة رؤساء على التوالي، من الحزبين «الجمهوري» «والديموقراطي»، رأى البعض أنّه، في عهد بايدن، أصبح «أقوى من أيّ وقت مضى»؛ فهو يحدد، حالياً، لساكن البيت الأبيض الخيارات التي يجب العمل بها، ويتحكم في ما إذا كان سيُسمح للخبراء في الشؤون الدولية - بمن فيهم الموظفون الأكثر خبرة منه في البنتاغون ووزارة الخارجية - بأن يكون لهم أي تأثير على سياسات واشنطن، كما يحدد «الأصوات الخارجية» التي يمكنها التدخل في صنع القرار داخل البيت الأبيض. وماكغورك معروف أيضاً بأنه ينظر إلى «حقوق الإنسان» و«القيم» التي تجاهر بها واشنطن في العلن، على أنّها، في أفضل الأحوال، مسألة ثانوية. وقد عرّضه ذلك لانتقادات عدة، ولا سيما خلال الجهود التي كان يبذلها للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، بعدما جعل من هذه المهمة «أولوية» للسياسة الأميركية في المنطقة، قبل أن «تعطل» عملية «طوفان الأقصى» بعد السابع من تشرين الأول، جهوده هذه. فآنذاك، عمد ماكغورك، وفق مسؤولين أميركيين، إلى تجاهل «مخاوف الفلسطينيين» و«حقوق الإنسان»، فيما رفض دعوات العديد من النواب الديموقراطيين إلى «إعادة تقييم» العلاقات مع السعودية، وجعل الإدارة الأميركية تغض النظر عن العديد من «الانتهاكات» بحق «الديموقراطية» التي رأى مسؤولون أميركيون أنها تحصل في بعض الدول العربية.
النفوذ الذي يتمتّع به ماكغورك هو «ثمرة» رحلة طويلة، بدأت من عهد الرئيس الأسبق جورج بوش


بالإمكان القول إذاً إن النفوذ الذي يتمتّع به ماكغورك هو «ثمرة» رحلة طويلة، بدأت من عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، قبل أن يتمّ تعيينه في عهد باراك أوباما، في وزارة الخارجية، إذ سرعان ما طوّر علاقات متينة مع مسؤولي الإدارة، بمن فيهم بايدن. كما حاول أوباما تعيين ماكغورك سفيراً للولايات المتحدة في بغداد، إلا أنّ فضيحة طاولت المسؤول الأميركي البالغ من العمر خمسين عاماً دفعته إلى التراجع عن قراره، وتعيينه، بدلاً من ذلك، للمساعدة في «تنسيق المعركة العالمية ضد (داعش)»، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 2018. على أن هذه المسيرة «الطويلة» تدفع العديد من المحللين المخضرمين، وبعضهم من مستشاري بايدن، إلى التشكيك في الإستراتيجية القديمة «والمُنهكة» التي يصرّ ماكغورك على الاستمرار فيها، في منطقة ارتكبت فيها واشنطن «أخطاء قاتلة ومزعزعة للاستقرار، ولا سيما في العشرين عاماً التي كان يصعد، خلالها، ماكغورك إلى السلطة»، طبقاً لموقع «هافينغتون بوست» الأميركي، علماً أن الرجل بدأ يكتسب نفوذاً فعلياً على الساحة السياسية، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وفي السياق، يقول أحد المسؤولين في البيت الأبيض، في حديث إلى الموقع نفسه: «إنه يفكر بعقلية تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت سائدة خلال إدارة بوش»، والتي «لم تتغير خلال الـ25 عاماً الماضية».