رام الله | استيقظ الشاب محمد يوسف مناصرة (25 عاماً) من نومه فجر الثلاثاء، على وقع اقتحام واسع لقوات الاحتلال لمنزل عائلته الواقع في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة. وبينما كان يستعدّ لفتح باب المنزل، تشظّى جسده إلى أشلاء جراء تفجير البيت في اللحظة نفسها من قبل جنود الاحتلال الذين تركوه ينزف على المدخل. هناك، داس الجنود على دمه النازف، واقتحموا المنزل بشكل عنيف، وعاثوا فيه تخريباً وتدميراً، فيما اعتقلوا شقيقه عبدالله قبل أن ينسحبوا، ليجد أفراد العائلة الذين حُبسوا في غرفة واحدة أن محمد قد استشهد. وتخلّلت الاقتحام الذي بدأ منذ مساء الإثنين، مداهمات لعشرات المنازل، توازياً مع إطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز السام والصوت في أزقة المخيم، الذي ودّع شهيده الثاني في أقل 24 ساعة، بعد استشهاد علي علقم عصر أول من أمس أيضاً. وبهذا، يكون مناصرة الشهيد السادس في الضفة في يوم واحد، وترتفع حصيلة الشهداء هناك منذ بداية العام الجاري إلى 468، بينهم 260 شهيداً منذ السابع من تشرين الأول الماضي.ويُشار، هنا، إلى أن زوجة الشهيد مناصرة، هي شقيقة الشهيد الفتى محمد رمانة من مخيم الأمعري، والذي لم يمر على استشهاده سوى شهرين فقط عندما أعدمته قوات الاحتلال في مدينة البيرة. وقالت الزوجة، في تصريحات صحافية: «منذ شهرين وأنا أبكي على شقيقي، وكان دائماً محمد زوجي يصبّرني ويقوّيني. كان يقول لي إنه «بده يستشهد وأنا إبكي»». وأضافت: «كان يتمنى الشهادة، وأنا أشعر بيني وبين نفسي أنني سأفقده»، مشيرة إلى أنه «في الليل كنا نائمين وجاءت شقيقته وقالت إن هناك جيشاً. ونهض محمد وتوجّه ومن ثم سمعنا صوت انفجار وصرنا نصرخ أنا وأمه، بعدها أدخلنا الجنود إلى غرفة ثانية وأغلقوا الباب علينا». وتابعت: «لم نعرف شو صار، وأنا شفت طرف رجله على الأرض، وبعد أن انسحبوا خرجت وكنت أبحث عنه لقيته في بركة دم، كنت أحرك فيه بس كان مستشهد. طلبها ونالها. اقتحموا الدار مثل الكلاب وفجّروا الشبابيك، وأصيب إخوته وأمه بالشظايا».
على أن هذه الجريمة ليست الأولى التي يقتل فيها جنود الاحتلال الفلسطينيين داخل منازلهم؛ إذ سبق أن اقتحموا، في آب 2022، أحد المنازل بصورة وحشية في بلدة كفر عقب، وعند ظهور الشاب محمد الشحام لمعرفة ما يجري، أعدموه بإطلاق النار عليه من مسافة صفر داخل المنزل، وتركوه ينزف على الأرض لأكثر من أربعين دقيقة، قبل أن يختطفوا جثته. وبات واضحاً اعتماد الاحتلال سياسة الإعدام العلنية والمباشرة للفلسطينيين، وهو ما تجلّى أيضاً، مساء الإثنين، في بلدة سعير شمال شرق الخليل، حيث أطلق جنود العدو النار عند اقتحامهم البلدة على الشابين محمد سعدي الفروخ (22 عاماً)، وأنس إسماعيل الفروخ (23 عاماً) ليصاب الأول برصاصة في ظهره والثاني في صدره، ويُعلن لاحقاً استشهادهما.
طالب المستوطنون بإزالة «دائرة الأوقاف الإسلامية» التابعة لـ«الأوقاف الأردنية» من داخل المسجد الأقصى


ومنذ فجر الثلاثاء، شهدت الضفة الغربية اقتحامات واسعة شنّها جيش العدو في عدة مدن وبلدات وسط، كان أبرزها اقتحام مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة، مرتين في اليوم نفسه. واقتحمت قوات الاحتلال جنين من كل مداخلها بنحو 50 آلية عسكرية مصحوبة بعدد من الجرافات، التي شرعت في تجريف الطرقات والشوارع وتدمير المنشآت والبنى التحتية، على جري العادة. كما حاصرت آليات الاحتلال المستشفى الحكومي في المدينة، ونشرت قوات قنّاصة في محيطه وفي أماكن مختلفة، وسط تحليق لطائرات الاستطلاع وقطع للتيار الكهربائي عن عدد من أحياء جنين ومخيمها. واندلعت، على إثر ذلك، اشتباكات مسلحة عنيفة، تخلّلها تفجير المقاومين للعشرات من العبوات الناسفة المحلية الصنع بالآليات العسكرية، في محيط دوار السينما والداخلية وشارع الناصرة وحي البساتين، ما دفع قوات الاحتلال إلى استدعاء تعزيزات إلى محيط مستشفى الأمل ونشر قنّاصة في محيطه، توازياً مع إيقاف سيارات الإسعاف وتفتيشها، وتنفيذ حملة مداهمات كبيرة للمنازل الواقعة في الأطراف. وفي المساء، وبعد اكتشاف تسلل قوات خاصة إلى المخيم والاشتباك معها وإصابتها بشكل مباشر بحسب شهود عيان، جدّد جيش العدو اقتحامه المخيم والمدينة بقوات كبيرة، لتندلع اشتباكات مسلحة عنيفة، ويصاب 5 أشخاص برصاص الاحتلال أحدهم امرأة، بينما حاصر جنود العدو المستشفيات، وأطلقوا قنابل الغاز في محيط مستشفى «الرازي» في جنين، واقتحموا ساحة مستشفى جنين الحكومي.
أما في محافظة الخليل، فحوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة بيت كاحل إلى ثكنة عسكرية، حيث انتشر العشرات من الجنود في الأحياء وبين المنازل، فيما اندلعت مواجهات أصيب شابان على إثرها، وتمّ نقلهما إلى مشافي الخليل لتلقّي العلاج. وفيما أبلغ جيش العدو بلدية بيت كاحل أن الحملة العسكرية ستستمر حتى الساعة السادسة مساءً، داهم جنود الاحتلال العديد من منازل المواطنين وفتّشوها باستخدام الكلاب البوليسية، وقاموا باحتجاز نحو 30 مواطناً من البلدة، ونقلوهم إلى أحد المنازل الذي تم تحويله إلى مركز تحقيق ميداني. كذلك، شهد مخيم الدهيشة في بيت لحم اشتباكات مسلحة عنيفة تخلّلها إلقاء قنابل محلية الصنع على القوة المقتحمة، بينما أصيب 4 مواطنون بالرصاص الحي، أحدهم في حالة حرجة للغاية. وتكرّر السيناريو نفسه في مناطق متفرقة من مثل مخيم عسكر الجديد والمنطقة الشرقية في مدينة نابلس ومدينة أريحا، ومناطق في الخليل ورام الله. أما حصيلة الاعتقالات، فسجّلت اعتقال 40 مواطناً على الأقل من الضّفة، بينهم ثلاث سيدات، وصحافي، وتوزّعت في محافظات: نابلس، الخليل، رام الله، جنين، بيت لحم، والقدس، علماً أنه جرى الإفراج عن مجموعة من هؤلاء لاحقاً.
في هذا الوقت، تتّجه الأنظار غداً إلى مدينة القدس المحتلة، في ظل التحريض والدعوات الواسعة التي يطلقها المستوطنون لتنظيم مسيرة حاشدة بعد التجمع عند باب العَمود، والانطلاق إلى باب الساهرة، ثم التجمهر أمام بوابات المسجد الأقصى، في أول أيام عيد الأنوار العبري «حانوكاه»، علماً أنهم، وللمرة الأولى، طالبوا في منشورات جرى توزيعها وتمّ وصفها بمطالبات «نازية»، بإزالة «دائرة الأوقاف الإسلامية» التابعة لـ«الأوقاف الأردنية» من داخل المسجد، وفتح كل أبوابه لتسهيل اقتحاماتهم. وفي العموم، تواصل سلطات الاحتلال إحكام قبضتها في القدس؛ فبينما شدّدت الخناق على الأطفال الأسرى الذين جرى الإفراج عنهم أخيراً في إطار صفقة التبادل مع المقاومة، وحرمتهم من إكمال تعليمهم في المدارس، نفّذت عدة اقتحامات لمنزل الشيخ عكرمة صبري، إمام المسجد الأقصى وأحد أبرز المراجع في «الوقف الإسلامي»، وسلّمت سكان المبنى الذي يقطن فيه، إخطاراً بهدمه بالكامل. وتبدو مطامع المستوطنين و«جماعات الهيكل» واضحة، إذ يريد هؤلاء استغلال انشغال العالم بالحرب على قطاع غزة، في فرض أمر واقع جديد في القدس والمسجد الأقصى، يتجاوز فكرة التقسيم الزماني والمكاني إلى فرض السيطرة الكاملة على المسجد، عبر إزاحة «دائرة الأوقاف الإسلامية» المخوّلة بإدارته.