رام الله | واصل جيش الاحتلال تصعيده في الضفّة الغربية المحتلة، مكثّفاً عمليات الاقتحام والمداهمة لمختلف مدنها وبلداتها، التي لم تعُد واحدةٌ منها بعيدةً عن هذه العمليات، في وقت استمرّ فيه توسّع رقعة الاشتباكات المسلّحة. على أن البارز في تلك الاشتباكات، ما شهده دوار المنارة وسط رام الله، والذي يُعَدّ رمزاً للمدينة ونشاطها التجاري والسياسي، ودائماً ما شهد حركةً نشطة للمواطنين وتظاهرات ووقفات سياسية، مع الشوارع الرئيسية الواصلة إليه، بخاصة شارع الإرسال الذي يقود إلى مقرّ الرئاسة الفلسطينية (المقاطعة)، حيث الانتشار المكثّف للقوات الأمنية التابعة للسلطة. إذ إن الصورة المشار إليها، والتي يمكن رؤيتها في أي لحظة من النهار، تبدّلت فجر أمس، حينما شهد الدوار إطلاقاً للرصاص من قِبل مجموعة مقاومين، من عدة اتجاهات على قوات الاحتلال التي اقتحمت وسط المدينة وتمركزت فيه، وفي الشارع المؤدي إلى مقرّ «المقاطعة».وفي التفاصيل، أفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال، التي تمركزت عند «المنارة» وشارع الإرسال بالقرب من مقرّ المقاطعة في استعراض للقوة، تعرّضت في وقت لاحق لإطلاق نار من عدة اتجاهات من قِبل مقاومين، بينما داهم الجنود مطبعةً وسط المدينة، وأغلقوها بقرار عسكري، بذريعة «دعم الإرهاب»، وفقاً لملصقات تركها الجنود على باب المطبعة. وبصورة مماثلة، داهم جيش العدو مقرّ «جمعية بيت أمر لرعاية الأيتام»، شمال الخليل، وأغلق بعض مكاتبها، واستولى على أثاث وملفات للجمعية، قبل أن يقوم بإغلاق أبواب المكاتب بألواح الحديد، علماً أنّ «بيت أمر» تقدّم خدماتها لما يقارب 200 من الأطفال الأيتام، بالإضافة إلى 470 طالباً يلتحقون بالمدرسة التابعة لها.
وفيما تستبيح قوّات الاحتلال مدن الضفّة وبلداتها ومخيماتها، في ساعات الليل، في مشهد يتكرّر يومياً من دون توقف، اقتحمت فجر أمس محافظات جنين، وطولكرم، ونابلس، ورام الله، وبيت لحم والخليل، حيث داهمت عشرات المنازل، وعبثت بمحتوياتها، وأخضعت قاطنيها لتحقيقات ميدانية بعد احتجازهم لساعات واعتقال العشرات منهم، توازياً مع اندلاع اشتباكات مسلّحة في أكثر من موقع. وبدأت الاقتحامات مساء الأربعاء لمدينة طولكرم ومخيم نور شمس، بتوغّل عشرات الآليات العسكرية المصحوبة بجرافات عسكرية ضخمة على عدة دفعات ومن عدة محاور، وانتشارها في عدد من الشوارع.
وعلى غرار ما كانت تقوم به في جنين، سارعت قوات الاحتلال إلى محاصرة مستشفى «ثابت ثابت الحكومي»، وفرضت عليه حصاراً مشدّداً، ومنعت مركبات الإسعاف والطواقم الطبية من الخروج منه لساعات، وأعاقت حركتهم في الميدان، كما فتّشت الطواقم الطبية ومركباتها عدة مرات، ونشرت القنّاصة في عدد من المباني. كذلك، شرعت جرافات الاحتلال العسكرية في أعمال تجريف واسعة في الطرقات والشوارع، بينما استهدف المقاومون آليات العدو بالعبوات الناسفة المحلية الصنع أثناء تقدّمها في اتجاه مخيم نور شمس. أيضاً، اندلعت اشتباكات في حي النصر داخل المخيم، وسُمعت أصوات إطلاق نار كثيف. وكان قد أكّد شهود عيان، عند بدء الاقتحام، تواجد مركبة لنجمة داوود الحمراء برفقة قوات الاحتلال، فيما أعلنت «كتيبة طولكرم - مجموعة الرد السريع» أن مقاتليها «تمكنوا من إصابة جنديَّين على الأقل في كمين في حارة المطار داخل مخيم طولكرم».
استولى الاحتلال على أراضٍ في بلدة جبع شمال شرق القدس، بهدف خلق تواصلٍ جغرافيّ بين مستعمرتَي «آدم» و«جيفع بنيامين»


وفي البلدة القديمة في مدينة نابلس، سُجّل اشتباكٌ مسلّحٌ عنيف، لأول مرة منذ أسابيع طويلة، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال المدينة من أكثر من محور، وتسلّلت قوّة خاصّة منها إلى داخل البلدة القديمة وحاصرت أحد المنازل في حارة الحلبة، ما أدى إلى مواجهات أسفرت عن إصابة 3 مواطنين واعتقال 3 آخرين. كما اقتحم جيش العدو عشرات القرى والبلدات فجراً في محافظة الخليل، وشنّ حملات مداهمة واعتقالات، والحال نفسه انسحب على محافظتَي جنين وبيت لحم.
ومنذ مساء الأربعاء وحتى صباح الخميس فقط، اعتقلت قوات الاحتلال 30 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم أسرى سابقون، إضافة إلى اعتقال عدد من عمال غزة، بينما واصلت تنفيذ عمليات تنكيل واسعة واعتداءات بالضرب المبرح وتحقيقات ميدانية وإطلاق تهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب حوادث التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين.
وفي السياق، أعربت مؤسسات الأسرى، ومن بينها «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين» و«نادي الأسير» و«مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان» عن «تخوّفات كبيرة» إزاء نية الاحتلال الإقدام على «تنفيذ إعدامات ميدانية بحقّ المعتقلين من قطاع غزة»، وسط استمرار رفضه الإفصاح عن معلومات في خصوصهم، من حيث أعدادهم، أو أماكن احتجازهم، أو حالتهم الصحية، رغم كلّ النداءات والرسائل التي وُجّهت إلى المؤسسات المعنية، وعلى رأسها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر». ولفتت هيئات الأسرى إلى أن هناك معطيات أفاد بها معتقلون أُفرج عنهم أخيراً خاصّة من معتقل «عوفر»، وكانوا متواجدين في أقسام قريبة من تلك التي يقبع فيها معتقلو غزة، تؤكّد أن «جرائم مروّعة وفظيعة تُرتكب بحقهم في الخفاء».
وإذا كان هذا هو ليل الضفة الذي تفسده توغّلات واقتحامات واعتقالات، فقد بات نهارها حصاراً وتشييعاً للشهداء. وشيّعت محافظة جنين الطفل عمر أبو بكر (16 عاماً) من بلدة يعبد، والذي استشهد مساء الأربعاء برصاصة في الصدر أثناء مواجهات اندلعت بعد اقتحام قوات الاحتلال البلدة، حيث منعت هذه الأخيرة طواقم الإسعاف من الوصول إليه، وتركته ينزف لمدّة من الوقت قبل أن يُنقل لاحقاً إلى المستشفى، ليعلن الأطباء استشهاده. كما شيّعت نابلس الشهيد المشتبك عبد الناصر رياحي (24 عاماً)، إلى مثواه الأخير في مخيم بلاطة، بعدما استشهد صباح الأربعاء متأثراً بإصابته بالرصاص في الرأس أثناء تصدّيه لاقتحام المخيم، بينما أعلنت وزارة الصحّة استشهاد عوض عنبر متأثراً بإصابته برصاص قوات الاحتلال قبل أسابيع في مخيم طولكرم.
أما القدس المحتلّة، فقد عاشت حالة استنفار أمني قصوى، في ظلّ انتشار مئات من عناصر شرطة الاحتلال ومخابراته، بالتزامن مع مسيرة للمستوطنين في أزقّة البلدة القديمة، نظّمتها جماعات استيطانية متطرّفة للتحريض على الأوقاف الإسلامية في القدس، في مسعى إلى تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة، وإعلان فرض السيادة والسيطرة على مقدّساتها. وفي بيت لحم، قرّر «مجلس الكنائس» منع الاحتفالات في مناسبة عيد الميلاد هذا العام، وقصرها فقط على المراسم الرسمية في بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور.
وعلى خطٍّ موازٍ، تواصل إسرائيل نشاطها الاستيطاني في ظل العدوان في الضفّة وغزّة، إذ كشفت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» أنّ الاحتلال استولى على 501 دونم من أراضي بلدة جبع شمال شرق القدس، بهدف خلق تواصلٍ جغرافيّ بين مستعمرتَي «آدم» و«جيفع بنيامين»، نظراً إلى وقوع الأراضي المستهدَفة في المساحة الفاصلة بين المستعمرتين المقامتين على أراضي القدس، ما يسهم مستقبلاً في تمدّدهما. أيضاً، استولى مستوطنون، أمس، على أرض زراعية بمساحة 12 دونماً، جنوب بيت لحم وزرعوها بأشجار حرجية في المنطقة الواقعة بين مستوطنة «أفرات» والبؤرة الاستعمارية «كفعات عيتام»، وذلك بعد أسبوع واحد من الاستيلاء على حوالى 300 دونم في الموقع ذاته.