بغداد | أثار قصف السفارة الأميركية في بغداد الأسبوع الماضي، سجالاً داخلياً عراقياً. وفي حين لم يتبنّ أيّ من فصائل المقاومة العراقية هذا القصف، فإن مسارعة الحكومة و«الإطار التنسيقي» الذي يدعمها، إلى إدانته، أثارت انتقادات باعتبار أنها تمثّل تراخياً في السعي إلى تطبيق قرار مجلس النواب السابق، القاضي بإخراج القوات الأميركية من البلاد. وتضاربت الروايات حول هوية الفصيل الذي نفّذ عملية القصف، فيما تعتقد مصادر سياسية أن بعض الجهات تعمل على تنفيذ هجمات لأهداف سياسية وغير مرتبطة بالعمليات العسكرية للفصائل، في مسعى لإحراج رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أمام الأميركيين. وفي أعقاب صدور بيان الحكومة الذي دان الهجوم على السفارة، تعهّدت فصائل مقرّبة من السوداني بعدم استهداف البعثات والمنشآت الدبلوماسية لعدم إحراجه، بينما لم يشمل هذا التعهد «حركة النجباء» و«كتائب حزب الله». ونفى صالح محمد العراقي، الذي يعبّر عن رأي زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أي علاقة للتيار بالهجوم، مؤكداً في تدوينة على قناته في «تلغرام» أنه «لو كان التيار من استهـدف (سفارتكم الحبيبة) لأعلن ذلك وله الشرف، إلا أنهم لا يقولون قولاً ولا يفعلون فعلاً إلا بعد مراجعتنا». ورفض «فيلق الوعد الصادق» المنضوي تحت مظلة «المقاومة الإسلامية في العراق»، التي تبنّت كلّ الهجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا، بدوره، في بيان، استهداف البعثات الدبلوماسية، لكنه اتهم الحكومة بـ«الانجرار وراء السياسات الأميركية لتدمير المقاومة العراقية».
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر في «الإطار التنسيقي»، لـ«الأخبار»، أن «هناك خلافاً كبيراً بين الحكومة والفصائل المسلحة بشأن قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وصل إلى قطع علاقة بعض قيادات الفصائل بالسوداني، وربما هذا سيظهر في الأيام المقبلة، وربما بعد انتهاء انتخابات مجالس المحافظات». ويضيف أن «ثمّة خلافات بين الفصائل نفسها، ومن بينها النجباء وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بسبب غياب التنسيق حول تنفيذ العمليات العسكرية، فضلاً عن أن بعض الفصائل ترفض استهداف المصالح الأميركية جملة وتفصيلاً احتراماً لالتزامات الحكومة».
مسارعة الحكومة و«الإطار» لإدانة الهجوم أثارت انتقادات باعتبارها تراخياً في السعي لإخراج المحتل


ويوضح المصدر أن «الهجوم على السفارة ما زال غامضاً، وليس هناك تبنّ من المقاومة الإسلامية للقصف، ولا سيما أنها تعلن عن عملياتها ونشاطها العسكري ضد المصالح الأميركية. ولذا، من غير المستبعد قيام بعض الجهات التي تريد تصفية حسابات سياسية بهجمات كهذه، لغرض إثارة الفوضى».
ويشير إلى أن «الاجتماع الطارئ الأخير للإطار، كان لمناقشة ومعرفة الطرف الذي نفّذ الهجوم، لأن هناك شبه تفاهم أو شبه اتفاق مع الفصائل على عدم الوصول إلى البعثات الدبلوماسية. ولم يكن وصف السوادني للجهات التي نفّذت القصف بالإرهابية اعتباطاً، وإنما تأكّد أن الهجوم ليس من صنع الفصائل بل من جهات أخرى تكره الفصائل». ويشدّد المصدر نفسه على أن «الإطار موقفه ثابت من قضية طرد الاحتلال الأميركي، فليس هناك تنازل عن قرار البرلمان الذي طالبنا به لسنوات، لغرض حفظ سيادة وهيبة البلاد من المحتل»، معتبراً أن «من المعيب التشكيك في مواقف الإطار واتهامه بالتواطؤ مع الفاسدين أو المحتل. وهذا كلام الذين تركوا قضيتهم وذهبوا مع السفيرة الأميركية وتحالفوا معها من أجل مصالح ضيقة جداً».
من جهته، يرى القيادي في «الحشد الشعبي»، محمد الساعدي، أن «فصائل المقاومة ليس من ثوبها التنصّل من هجمات تقوم بها ضد السفارة أو القواعد العسكرية الأميركية، فلا ننسى الأيام التي كانت خلالها السفارة لسنوات تحت نيران المقاومة وقصفها واقتحامها، لأننا نعتقد أنها ليست بعثة دبلوماسية وإنما وكر للتجسّس وتنفيذ عمليات خطيرة على أمن العراق». ويقول الساعدي، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «أهداف المقاومة الإسلامية خلال الأيام المقبلة ستكون أهم من السفارة، وستكون المعركة حامية الوطيس ضد المحتل حتى إخراجه مكسوراً، وهناك جهوزية لردع قواته العسكرية». ويطالب الحكومة «بإخراج القوات الأميركية، لأننا لمسنا خلال السنتين الماضيتين مماطلة وتسويفاً من الحكومات، بما فيها الحالية، لإنهاء هذا الملف، وهذا في اعتقادي خنوع وتنازل واضح للمحتل الذي يقتلنا بين فترة وثانية».
وفي الإطار نفسه، نقلت وسائل إعلام محلية عن المستشار السياسي لمجلس النواب، عباس العامري، قوله إن «القوات الأميركية تقوم بمهام تجسّسية في المحافظات العراقية ومنها بابل وكربلاء والنجف»، وإنها «تستغل وجود التحالف لتنفيذ مهام تجسّسية عبر طائرات مُسيّرة في سماء البلاد». ورأى العامري أن «وجود تنافس بين فصائل المقاومة، إن حدث، فهو في إطار مخاطبة كل فصيل لجمهوره»، مبيّناً أن «الفصائل تشن الهجمات وفقاً لقناعاتها وليس بأمر من إيران أو حزب الله اللبناني». ولفت إلى أن «البدء بخطوات جدولة الانسحاب العسكري من العراق سيمهّد الطريق لهدنة بين الولايات المتحدة وفصائل المقاومة»، مشدّداً على أن «هناك اعتقاداً راسخاً لدى العالم بأن حرب غزة تقودها الولايات المتحدة، وهناك مجموعات مسلحة أدركت أن الحكومة معنية بالتعامل مع الوجود الأميركي لأغراض سياسية، بينما فصائل أخرى تعتقد أن هذا التعامل هو تنازل وتخادم وخيانة».