رام الله | أسقط رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع «الكابينت» الأخير، مناقشة إمكانية عودة العمّال الفلسطينيين إلى العمل داخل «الخط الأخضر»، نظراً إلى معرفته بحجم المعارضة الواسعة للأمر من قِبَل الوزراء في المجلس السياسي والأمني، على رغم تأييده عودة هؤلاء، بعدما أَغلقت إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، المعابر، ومَنعت أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية المحتلّة، من الدخول إلى «الخط الأخضر» للعمل. ويتصدّر العوامل التي تجعل نتنياهو يؤيّد عودة العمال، انهيار العديد من القطاعات الاقتصادية في إسرائيل، ولا سيما قطاعَي البناء والزراعة، ما من شأنه أن يلقي بثقله الاقتصادي على حكومته. وهو يَنظر إلى هذا الملفّ من منظور أمني، إذ يَعتقد أن بطالة 200 ألف شاب في الضفة، إلى جانب الاقتطاع من أموال المقاصّة المحوّلة إلى السلطة الفلسطينية، سيتلاقيان مع تدهور اقتصادي في الضفة أيضاً، ما قد ينعكس على الوضع الأمني هناك ويُسهم في انهياره السريع، بينما تضغط الإدارة الأميركية في اتّجاه إبقائه «تحت السيطرة».وكان «الكابينت» الاقتصادي رفض بشكل قاطع عودة العمّال، ورفع توصية إلى «الكابينت» السياسي والأمني الموسّع في هذا الشأن، إذ شدّد كلّ من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش - الذي يتزعّم المجلس الاقتصادي -، ووزير الاقتصاد، نير بركات، على ضرورة استقلال إسرائيل عن العمّال الفلسطينيين، واستقدام عمالة أجنبية، وقالا: «لا يمكن المجيء بعمّال من شريحة سكانية معادية، وندخلهم بيننا». وبالمثل، قال عضو المجلس الاقتصادي، جدعون ساعر، إن «إدخال عمّال من سكان معادين رهانٌ على حياة الإسرائيليين»، في حين رأى وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، أن «إدخال عمّال من مناطق السلطة الفلسطينية التي تحرّض على الإرهاب، للعمل في إسرائيل، استمرارٌ لمفاهيم السابع من أكتوبر». وفي المقابل، يدعم الجيش الإسرائيلي، وجهاز «الشاباك»، ومنسّق حكومة الاحتلال في المناطق، زيادة عدد عمّال الضفة، وسط «الحاجة الفورية» - وفق مجلس «الأمن القومي» - إلى 28 ألف عامل، 9500 منهم لقطاع الزراعة، وآخرون لقطاع الإنشاء والبناء الذي بات يخلو من نحو 90 ألف عامل فلسطيني من الضفة كانوا يعملون فيه سابقاً. وفي هذا الجانب، أوضح مستشار نتنياهو أن «عدم دخول العمّال الفلسطينيين يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد»، فيما عارضت الشرطة قرار زيادة عدد العمّال من الضفة بزعم أنهم يعيشون الآن تحت تأثير التحريض، وبالتالي يمكن أن يعمدوا إلى تنفيذ عمليات فدائية.
ووسط تراكم الأزمة التي تعصف بقطاعات كبيرة داخل الكيان، قالت مصادر عبرية إن وزير الاقتصاد الإسرائيلي يسعى إلى تمرير قرار في الحكومة من أجل استقدام 160 ألف عامل أجنبي في أسرع وقت، وخاصّة من الهند، ليحلّوا محلّ العمّال الفلسطينيين. وبحسب الخطّة، سيتم جلب قرابة 80 ألف عامل لفرع البناء، 15 ألفاً منهم لفرع الزراعة، و22 ألفاً للصناعة، و24 ألفاً للمطاعم، بينما قالت «جمعية البناء» الإسرائيلية، التي تم إنشاؤها لتمثيل قطاعات مختلفة في قطاع البناء، في بيان، إنها تأمل في جلب ما يصل إلى 100 ألف عامل من الهند. غير أن الخطة المشار إليها، ليست مضمونة النتائج، إذ طالما واجهت إسرائيل تحديات في مسألة استقدام الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما ضاعفته نتائج الحرب على غزة، بانهيار المشروع الذي كان بدأ في تسعينيات القرن الماضي في قطاعات البناء والزراعة، لاستقدام العمال الأجانب لفترات محدودة، علماً أن هؤلاء يحصلون على الحدّ الأدنى للأجور، كما أن أماكن إقامتهم رخيصة للغاية لأنهم يعيشون في مساكن فقيرة، ويعملون لأيام طويلة. وبحسب حكومة الاحتلال، كان هناك ما يقرب من 30 ألف عامل تايلاندي في إسرائيل قبل «طوفان الأقصى»، غادر منهم 10 آلاف عامل زراعي مذّاك. كذلك، تضاعف من صعوبة استقدام العمّال الأجانب، السمعة السيئة لظروف العمل في إسرائيل، وخاصة بعد مناشدة شركة «FairSquare» التحقيق في انتهاكات الأخيرة لحقوق الإنسان، داعيةً الهند إلى تجاهل طلب دولة الاحتلال الحصول على أيدٍ عاملة.
يُعد قطاع العقارات الإسرائيلي، الذي يعتمد على 90 ألف عامل فلسطيني، أكثر القطاعات تضرّراً


وبحسب المعطيات الإسرائيلية، فقد تضرّرت، بشكل كبير، العديد من القطاعات في «غلاف غزة»، جرّاء استمرار الحرب؛ إذ أدّت الأخيرة إلى تراجع حركة السياحة بشكل عام بنسبة 76% على أساس سنوي، وإلغاء غالبية رحلات الطيران من وإلى تل أبيب. وفي هذا السياق، زار إسرائيل، قبل اندلاع الحرب، 89.7 ألف سائح، بينما شهد الشهر نفسه من العام الماضي نحو 370 ألف سائح. وطرأ تراجع على رحلات الطيران من وإلى مطار اللد، بنسبة 80% كمتوسط منذ اندلاع الحرب، حيث بات يهبط في المطار ما معدّله 100 رحلة يومياً فقط، مقارنة مع 500 رحلة معتادة خلال فترة ما قبل الحرب.
أيضاً، منذ شنّ حربها على قطاع غزة، فقدت إسرائيل قرابة 950 ألف وظيفة في سوقها، إلى جانب مئات الآلاف غير القادرين على الوصول إلى أماكن عملهم في مستوطنات «غلاف غزة»، وفي الشمال على الحدود مع لبنان. وبحسب وزارة العمل الإسرائيلية، فإن قرابة 760 ألف عامل، يشكّلون نسبة 18% من القوة العاملة، لا يعملون لأسباب ثلاثة: الخدمة الاحتياطية في الجيش، أو العيش في محيط غزة، أو المكوث في المنازل مع أطفالهم. ومن جهته، ذكر موقع «غلوبس» المختص في الشأن الاقتصادي الإسرائيلي أن قرابة 20 إلى 25 ألف عامل آسيوي، معظمهم يعملون في الزراعة، غادروا أعمالهم، ومنهم من سافروا إلى بلدانهم الأم هرباً من الحرب.
وفي المجمل، يُعد قطاع العقارات الذي يعتمد على 90 ألف عامل فلسطيني، أكثر القطاعات تضرّراً، إثر إصابته بشلل تام أدّى إلى تراجعه في بورصة إسرائيل، بأكثر من 8% حتى نهاية تشرين الثاني الماضي، مقارنة مع مستويات ما قبل الحرب على غزة، وهو ما كبّد شركات المقاولات وشركات التأمين خسائر فادحة. ووفقاً لبيانات «اتحاد المقاولين بناة البلد»، بلغ حجم الاستثمارات في قطاع البناء في إسرائيل العام الماضي 232.2 مليار شيكل (60 مليار دولار)، أي ما يعادل 13.6% من إجمالي الناتج المحلي. وفيما تبحث الحكومة الإسرائيلية خطّة لاستقدام نحو 20 ألف عامل أجنبي إلى فرع البناء، تتحفّظ وزارة الداخلية الإسرائيلية بشأن ذلك، في ظل المعطيات المتوافرة حول مغادرة 3784 عاملاً أجنبياً في فرع البناء إسرائيل منذ بدء الحرب.
أما فلسطينياً، فقد قدّر «الاتحاد العام لعمال فلسطين» الخسارة المترتّبة على منع 190 ألف فلسطيني من العمل في الداخل المحتل، بنحو مليار و250 مليون شيكل شهرياً (338 مليون دولار)، وهو ما انعكس على عجلة الاقتصاد المحلي. ومما فاقم من آثار ذلك، أنه ترافق مع اقتطاع إسرائيل جزءاً من أموال المقاصّة التي تحوّلها إلى السلطة، التي رفضت تسلّمها والحال هذه، ولم تستطِع بالتالي صرف رواتب الموظفين العموميين (160 ألف موظف)، ما أدى بدوره إلى تراجع أداء 85% من المنشآت الاقتصادية الفلسطينية.