بعدما حرصت الولايات المتحدة، منذ بداية الحرب، على إظهار نوع من الوحدة مع إسرائيل، وتوجيه «النصائح والملاحظات» إلى حليفتها بعيداً عن الأضواء قدر الإمكان، كسر الرئيس الأميركي، جو بايدن، أخيراً، هذا الحاجز، رافعاً سقف خطاب إدارته، بمهاجمته، خلال حفل لجمع التبرّعات في واشنطن الثلاثاء، حكومة إسرائيل «الأكثر تطرّفاً»، ودعوته حتى إلى «تغييرها»، فضلاً عن تحذيره تل أبيب من أنّها «تفقد الدعم الدولي لحربها على غزة». وبالنظر إلى المواقف التي صدرت، في المدّة الأخيرة، عن عدد من الدول الأوروبية والمسؤولين الأوروبيين، تصبح تحذيرات بايدن الأخيرة، ولا سيما عن أنّ «القصف العشوائي» الذي تشنّه القوات الإسرائيلية «بدأ يُفقد تل أبيب دعم أوروبا ومعظم الدول حول العالم»، مفهومة.في الواقع، جاءت آخر هذه المواقف المنددة بالمجازر الإسرائيلية في غزة على لسان مسؤول السياسة الخارجية لـ«الاتحاد الأوروبي»، جوزيب بوريل، الذي انتقد حكومة الاحتلال ورئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بسبب معارضتهما «حل الدولتين»، معتبراً أنّ هنالك حدّاً «لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وداعياً الدول الأعضاء إلى أن يطرحوا على أنفسهم سؤالاً عمّا إذا كانت إسرائيل «تمتثل للقانون الدولي». وتابع: «نحتاج جميعنا إلى الإجابة عن هذا السؤال. لن أجيب عنه بنفسي لأنه لا يوجد توافق بعد داخل الاتّحاد حوله، ولكنني شخصياً أعتقد أنّ حق إسرائيل (في الدفاع عن النفس) له حدود... ولا يمكن تبرير قتل هذا العدد الكبير من الأبرياء». كما اعتبر بوريل أنّ نتنياهو يعارض التوصّل إلى «حلّ سياسي للصراع»، بهدف «ضمان ألّا يكون للفلسطينيين دولة أبداً»، ويعوق بالتالي فرصة وضع حدّ لدمار «فاق نسبياً ما شهدته ألمانيا إبّان الحرب العالمية الثانية»، على حدّ تعبيره.
تزامناً مع ذلك، أفادت وسائل إعلام أوروبية، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية، بأنّ 13 دولة في «الاتحاد الأوروبي» أعربت عن موافقتها على فرض حظر على التأشيرات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون أعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة. على أنّ ذلك العدد، والذي يعادل تقريباً نصف الدول في الاتحاد، غير دقيق، لأنّه ما من دولة أعلنت، حتى الآن، رفضها لهذه الخطوة، التي اتّخذتها واشنطن بالفعل. وبناءً على ما تقدّم، أكّد بوريل أنّه سيقدّم اقتراحاً رسمياً في هذا الصدد قريباً. وكان لافتاً أيضاً إعلان رئيسة «المفوضية الأوروبية»، أورسولا فون دير لايين، المعروفة بأنها من أكثر المسؤولين الأوروبيين دعماً لإسرائيل، عن تأييدها فرض عقوبات على المستوطنين الذين وصفتهم بـ«المتطرفين».
من جهتهم، وجّه، الأسبوع الماضي، كلٌّ من رؤساء وزراء إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ومالطا رسالةً إلى رئيس «المجلس الأوروبي»، شارل ميشيل، الذي يرأس عادةً قمم الاتحاد الأوروبي، دعوا فيها قادة الاتحاد، الذين يجتمعون اليوم وغداً في بروكسل لبحث جملة من القضايا، من بينها الحرب في غزة، إلى إطلاق «دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار» لأسباب إنسانية، بهدف إنهاء الصراع، واتخاذ «إجراءات فورية» لحماية المدنيين. وتشير الرسالة أيضاً إلى مخاوف هذه الدول من «المخاطر» المترتبة على الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، واحتمال تصاعد الصراع ليشمل مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
وكان «الفيتو» الأميركي، خلال الاجتماع ما قبل الأخير لـ«مجلس الأمن»، قد قوبل بردود فعل غاضبة من عدد من الدول العربية والغربية والمنظّمات الإنسانية، ومن بينها فرنسا. إذ اعتبر، مثلاً، الممثل الفرنسي لدى «الأمم المتحدة»، نيكولاس دي ريفيير، أنّ «مجلس الأمن»، عبر عدم قدرته على «التوحّد والالتزام بالمفاوضات، يفشل في تأدية المهمات المفوّضة إليه، ويسهم في زيادة الأوضاع سوءاً في غزة». ويأتي هذا بعدما شكّك الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بدوره، في وقت سابق، في أن تنجح إسرائيل في تحقيق أي «انتصار عسكري فعلي في غزة»، داعياً إلى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
وبالحديث عن فرنسا، وبعدما كانت صحيفة «لوموند» الفرنسية قد كذّبت الرواية الإسرائيلية عن استخدام «مستشفى الشفاء» في غزة كـ«مركز عمليات أو مخبأ أسلحة»، كما ادّعت إسرائيل، أجرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، بدورها، تحقيقاً، كشف عن أنّه خلال هجوم الـ7 من تشرين الأول، «لم تُقتل سوى رضيعة واحدة من ضمن 40 قاصراً قُتلوا في الهجوم»، نافياً ما ادّعاه الجانب الإسرائيلي، في أكثر من محطة، عن حصول «قطعٍ للرؤوس، ووضع أطفال في أفران، وبقر بطون حوامل، وتقييد أيادي أطفال خلف ظهورهم». وطبقاً للصحيفة نفسها، فإن «ادّعاءات إسرائيل حول وقوع مثل هذه الفظائع، كانت تهدف إلى حشد الرأي العام الإسرائيلي والدولي»، لتبرير «انتقامها العنيف» الذي كانت تخطّط لتنفيذه على غزة.