وصل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، جيك سوليفان، أمس إلى تل أبيب، في وقت يكثر فيه الحديث حول الخلافات الأميركية – الإسرائيلية المتزايدة، والتي بات يمكن حصرها بمستويين أساسيين، هما:1 – المستوى العسكري العملياتي؛ حيث ترى واشنطن أن الحرب بزخمها الحالي يجب أن تنتهي مع نهاية الشهر الحالي، وتنتقل إلى مرحلة قصيرة أقل زخماً، بينما تعتقد تل أبيب أن المرحلة الحالية من الممكن إنهاؤها في نهاية الشهر المقبل، على أن تنتقل بعدها إلى مستوى أقل. كما ترى واشنطن أن عملية خانيونس يجب أن تكون آخر عملية كبرى في قطاع غزة، بينما لا تتعهّد إسرائيل بذلك.
2- المستوى السياسي والأمني في اليوم التالي للحرب؛ حيث ترى الولايات المتحدة أن القوات الإسرائيلية يجب أن تنسحب من القطاع، بشكل كامل، فور وقف القتال، وتُبدي تفهّماً لمرحلة انتقالية تبقى فيها القوات الإسرائيلية في غزة بشكل أو بآخر، لكن لوقت قصير جداً. وفي المقابل، تعتقد إسرائيل أن قواتها يجب أن تبقى في غزة لمدة أطول، ربما تمتدّ على عدة شهور، وأن يبقى للكيان إشراف أمني على القطاع. كذلك، ترى واشنطن أنه يجب أن يكون للسلطة الفلسطينية الدور الأساسي في إدارة غزة بعد الحرب، بعد أن يتم إجراء عملية «تنشيط» لها، بحسب التعبير الأميركي، ما سيفتح الباب مجدداً أمام تفعيل مسار «حلّ الدولتين»، وإن على المدى الطويل، كما سيسهّل توسيع عملية التطبيع العربي – الإسرائيلي. لكن تل أبيب تصرّ على أنه أن لا مكان للسلطة في القطاع، وأن وجود الأخيرة لا يقدّم الضمانات الأمنية الكافية للكيان، فيما أكد نتنياهو، في تصريح قبل يومين، أنه لن يعيد ما سماه «خطيئة أوسلو».
والواقع أن هذا الخلاف لا ينبع من حرص أميركي على أرواح الفلسطينيين ومستقبلهم، بل من خشية لدى الولايات المتحدة من أن يؤدي تجاوز إسرائيل لهواجسها إلى توسّع الحرب الحالية إلى صراع إقليمي، وبالتالي إدخال المنطقة بأسرها في دوّامة من الفوضى، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر كبرى على المصالح الأميركية، قد تجرّ واشنطن إلى معركة تحاول تفاديها.
وفي هذا السياق، نقلت شبكة «إن بي سي» الأميركية عن مصدر على صلة بالاستخبارات الأميركية، أن «مجتمع الاستخبارات الأميركي يعتقد أن إيران لا تسعى إلى حرب مباشرة مع واشنطن»، لكن «لدى نتنياهو حافز لإطالة أمد الحرب سعياً لحماية بقائه سياسياً». كما نقلت الشبكة عن مسؤولين وديبلوماسيين، وجود «قلق من أن نتنياهو قد يحوّل مشاكله الشخصية إلى كابوس إقليمي».
ميدانياً، لا يزال الصهاينة تحت تأثير مقتلة الشجاعية، أول من أمس


والتقى المبعوث الأميركي، أمس، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ثم وزير الأمن يوآف غالانت، وبعدها انتقل إلى المشاركة في جلسة «كابينت الحرب»، فيما قال منسق «مجلس الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية» في «البيت الأبيض»، جون كيربي، إن سوليفان أكّد لنتنياهو «دعم واشنطن في المعركة ضدّ حماس، وسنعمل ما بوسعنا للمّ شمل الرهائن المتبقّين». وأضاف كيربي: «يمكن إنهاء الحرب الآن إذا ألقت حماس سلاحها، وسلّمت جميع المسؤولين عن هجمات 7 أكتوبر». كما أكد أن «الإدارة الأميركية لا تُملي شروطاً على إسرائيل بشأن مدة الحرب، لكننا نريدها أن تُنهيها في أقرب وقت ممكن»، مشيراً إلى جهود تبذلها واشنطن «من أجل تحقيق هدنة قصيرة في غزة، وهناك مخاوف من الهدن الطويلة باعتبارها في مصلحة حماس».
وفي مقابلة منفصلة مع قناة «الجزيرة»، قال كيربي إن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل «الانتقال من المرحلة الأكثر كثافة إلى المرحلة الأقلّ، في أسرع وقت ممكن». وفي السياق نفسه، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين، قولهم إن «سوليفان أبلغ نتنياهو ومجلس الحرب ضرورة الانتقال إلى المرحلة الأقلّ حدة من الحرب خلال أسابيع»، فيما قال نتنياهو إنه أبلغ سوليفان أن «إسرائيل ستواصل الحرب على حماس حتى النصر المبين». أما غالانت فقال إن «تفكيك حماس يحتاج إلى عدة شهور، لذا ستستمرّ الحرب». من جهته، رأى عضو «كابينت الحرب»، بني غانتس، أن «علينا المحافظة على المرونة في شن الهجمات في غزة»، مضيفاً أن «هناك اتفاقاً مع شركائنا الأميركيين على توفير الأمن في جنوب إسرائيل وإزالة تهديد حماس». ولعل «المرونة» التي تحدّث عنها غانتس، تشير إلى تفهّمه للمخاوف الأميركية، وتلميحه إلى إمكانية خفض وتيرة العمليات العسكرية في مرحلة ما، تساوقاً مع إرادة واشنطن، وأن يكون تغيير الخطط مرناً وسريعاً. وهذا ما يدعم الرواية التي تتحدث عن خلافات داخل «كابينت الحرب» حول كيفية التفاعل مع التحذيرات والضغوط الأميركية. وكانت «CNN» قد اعتبرت، في وقت سابق، أن رحلة سوليفان إلى إسرائيل مؤشر إلى أن الأخيرة لم تأخذ في الحسبان تحذيرات بايدن، فيما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن «سوليفان حذّر الإسرائيليين من أن إطالة أمد الصراع من شأنها زيادة تأجيج المنطقة»، لكن المسؤولين أضافوا أن «محادثات المسؤول الأميركي لم تحقّق تقدّماً في الخلاف بشأن الضحايا المدنيين ومدة الصراع ومستقبل غزة».
على الصعيد الميداني، لا يزال الصهاينة تحت تأثير مقتلة الشجاعية أول من أمس، حيث وصفت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، حي الشجاعية بـ«عشّ الرعب»، الذي نما في منطقة الشجاعية، والذي لم «يتشكّل في يوم واحد، وإنما عبر سنوات عديدة من العمل المكثّف الذي استثمرته حماس في إنشاء قاعدة عسكرية وتسليح الحي فوق الأرض وتحتها». ووصفت الصحيفة مقاومي الشجاعية بأنهم «سلالة صعبة للغاية، عنيدون إلى أقصى الحدود، لديهم رأس مختلف، يذهبون إلى النهاية ولا يفكرون في أي شيء، صبرهم لا ينفد، لا شيء يهمّهم أو يحرّكهم عما يفكرون ويفعلون، ولا يمكنك التأثير عليهم بسهولة، فهم في وضعهم وعالمهم الخاص». كما ينشط عناصر من «الجهاد الإسلامي» أيضاً في حي الشجاعية، والذي يقع جزئياً على تلة، ما يمنحه «أهمية استراتيجية»، وفق الصحيفة.
من جهتها، أعلنت «كتائب القسام» تمكّن مجاهديها «خلال الـ 72 ساعة الأخيرة من تدمير 72 آلية عسكرية كلياً أو جزئياً، وأكد مجاهدونا قتل 36 جندياً وإيقاع عشرات الجنود الصهاينة الآخرين بين قتيل وجريح». كما «استهدفوا مقارّ القيادة الميدانية وغرفها، ودكّوا التحشدات العسكرية بقذائف الهاون والصواريخ القصيرة المدى في محاور القتال كافةً، ووجّهوا رشقات صاروخية نحو أهداف متنوعة وبمديات مختلفة إلى داخل الكيان الصهيوني».