رام الله | يبدو أن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، قد لمس جدّية في الطرح الأميركي المتعلّق بتولّي السلطة الفلسطينية مسؤولية قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وهو ما يظهر أنه شكّل الدافع وراء هجومه الأحدث على السلطة وأجهزتها الأمنية، إذ لا يبدو التزام الأخيرة بالتنسيق الأمني، وإضعاف المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية المحتلة وملاحقة خلاياها، والحفاظ على «الهدوء» هناك، كافياً بالنسبة إلى نتنياهو، الذي يطمح إلى تثبيت شطب السلطة من أي معادلة سياسية. وعلى هذه الخلفية، جاء هجومه على رام الله من زاوية أنها لم تدن عملية 7 أكتوبر، فيما بدا لافتاً إعلانه أن «الجيش الإسرائيلي مستعدّ لاحتمال القتال ضد السلطة وأجهزتها الأمنية»، ووصفه «اتفاق أوسلو بأنه خطأ إسرائيل الأكبر»، وتشبيهه السلطة بـ«حماس»، على اعتبار أن الأخيرة «تريد إبادة فورية للإسرائيليين، فيما الأولى تخطّط لذلك على مراحل». إزاء ذلك، يبدو أن ما تلهث خلفه السلطة، أي العودة إلى المفاوضات والعملية السياسية، برعاية أميركية، لن تناله، خاصة أن إسرائيل ترى أنها على مشارف مرحلة جديدة، توسّعية بالتأكيد، باستثمار الحرب الحالية على قطاع غزة. ولربما يمكن القول، إن الحملة الإسرائيلية على السلطة، تُعتبر باكورة هجمة أكبر، على غرار تلك التي شُنّت سابقاً على الرئيس الراحل، ياسر عرفات، قبل الانتفاضة الثانية وخلالها، والتي أدّت في المحصّلة إلى التخلّص منه، إذ ترغب تل أبيب في الدفع إلى إيجاد سلطة بديلة أو إحداث تغيير كبير في النسخة الحالية، وهو ما يتساوق مع الحديث الأميركي عن «تنشيط» السلطة، والذي يُعدّ تعبيراً غامضاً، يمكن أن يحمل الكثير من التفاصيل التي ستكون إسرائيل شريكة في وضعها بالتأكيد.
وتلقّفت صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية اليمينية، والمقرّبة من نتنياهو، تصريحات الأخير، مستكملةً ما بدأه بتقرير تحت عنوان: «هكذا تتدرّب كتائب السلطة للمواجهة»، قالت فيه إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية «وجّهت أسلحتها مرتين نحو الجيش الإسرائيلي»، وهناك «مخاوف متزايدة من المرة الثالثة». وتتمثل هذه «المخاوف»، بحسب الصحيفة، في أن تقوم كتائب السلطة «بمحاولة اقتحام وارتكاب مجازر في مستوطنات الضفة الغربية، وفي مناطق الخط الفاصل، وفي داخل حدود الخط الأخضر». واعتبرت أن «ما يجري الآن أمام أعيننا، قد يعني أن مخرجات اتفاق أوسلو المتمثّلة في الحفاظ على السلطة الفلسطينية، والتي لا يزال نتنياهو والمؤسّسة الأمنية متمسّكين بها، على وشك الانهيار، وأن سيناريو "قلب الطاولة" من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على قوات الجيش الإسرائيلي و/أو المستوطنات، وارد، وأمامنا الكثير من الإشارات والدلائل في هذا الاتجاه».
ترى السلطة الفلسطينية أن إسرائيل تريد أن تجرّها إلى مواجهة عسكرية


في المقابل، ترى السلطة الفلسطينية أن إسرائيل تريد أن تجرّها إلى مواجهة عسكرية، هي لا تتتمناها، ولا تقدر عليها، ولا تتوفّر لديها أي إمكانات لخوضها. وبالتالي، فإن قوّاتها «الشرطية» لن تستطيع الصمود سوى لساعات. كما ترى رام الله أن التحريض الذي يقوده نتنياهو، يهدف الى تحقيق مخطّطاته في الضفة، والتي تمثل واحداً من الأسباب الرئيسية للتصعيد المستمر هناك، وآخر فصوله شنّ عملية عسكرية لثلاثة أيام في مخيم جنين، وعودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيال من الجوّ، من مثل المحاولتين اللّتين جرتا في مدينة نابلس فجر أمس، واللتين نجا منهما 3 مقاومين.
وجدّد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أمس، القول إن «قطاع غزة جزءٌ لا يتجزّأ» من الدولة الفلسطينية، رافضاً أي مخططات إسرائيلية محتملة لفصله، وذلك خلال استقباله في رام الله، مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان. وشدّد عباس، في بيان بعد اللقاء، على «ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، وحرب الإبادة الجماعية خاصة في قطاع غزة». كما شدّد على أهمية «فتح جميع المعابر، ومضاعفة إدخال المواد الإغاثية والطبية والغذائية، وتوفير المياه والكهرباء والوقود في أسرع وقت ممكن». وكان سوليفان انتقل إلى رام الله للقاء عباس، بعد انتهاء لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين، حيث قال من تل أبيب: «لا نعتبر أنه من المنطقي، أو من الصواب بالنسبة إلى إسرائيل، أن تحتلّ غزة، أو تعيد احتلال غزة على المدى الطويل»، مضيفاً أنه «في نهاية المطاف، يجب أن تنتقل السيطرة على غزّة وإدارتها وأمنها إلى الفلسطينيين». وأشار إلى أن «الولايات المتحدة وإسرائيل متّفقتان على أن الحرب ستستمرّ لأشهر أخرى، في حين هناك مناقشات مكثّفة حول المراحل المستقبلية للصراع وتداعياته»، متابعاً: «نعتقد أن السلطة الفلسطينية تحتاج إلى تجديد وتنشيط وتحديث في ما يتعلّق بأسلوب حكمها، وتمثيلها للشعب الفلسطيني».