توحي التصريحات الأميركية الرسمية بأنّ الزيارات المكثفة لمسؤولين رفيعي المستوى إلى الشرق الأوسط، في الأيام الأخيرة، تهدف إلى إعادة التأكيد على أهداف واشنطن المتمثلة في «حماية القوات والمواطنين الأميركيين، ودعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، والعمل مع الأخيرة لتأمين إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حركة «حماس». على أنّ هذه الأهداف، والتي أعلن عنها المتحدث باسم «البنتاغون»، باتريك رايدر، قبيل زيارة وزير الدفاع، لويد أوستن، للمنطقة، تبدو «شكلية» تقريباً، بالنظر إلى أنّ واشنطن أصبحت، في هذه المرحلة، تسخّر كامل جهودها تقريباً لتحقيق هدفين أساسيين، وهما: إيجاد سبل لدرع الهجمات التي تشنها قوات صنعاء في البحر الأحمر، وإنهاء الحرب الإسرائيلية في «أسرع وقت ممكن». وعلى غرار الثاني، فإنّ الهدف الأول يبدو مدفوعاً بضغوط داخلية كبيرة مستجدة، وسط اتهامات لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالتخاذل «والتخوف» حتى من ردع الهجمات القادمة من اليمن بشكل «فعال»، تنعكس رغبةً أميركية متزايدة في إنهاء ما تسميه واشنطن «المرحلة الحالية» من الحرب في غزة.وفي إطار الحراك الأميركي المستمر، يزور أوستن المنطقة، في زيارة هي الثانية من نوعها، منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول، على أن ينضم إليه، في إسرائيل، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال تشارلز براون جونيور. وفي البحرين تحديداً، وهي واحدة من محطات أوستن الثلاث، التي ستشمل أيضاً فلسطين المحتلة وقطر، سيركّز المسؤول الأميركي على قضية «حرية الملاحة والأمن البحري» في المنطقة، وتوسيع القوة البحرية المشتركة التي تتحدث عنها واشنطن منذ مدة، «لتأمين السفن التي تمر عبر البحر الأحمر». والمساعي الأميركية الأخيرة للتصدي للهجمات التي تشنها قوات صنعاء على السفن المتوجهة إلى إسرائيل، والتي تشمل أيضاً، طبقاً لمصادر مطّلعة تحدثت إلى موقع «بوليتيكو» الأميركي، نهاية الأسبوع، إمكانية شنّ «ردّ عسكري»، تأتي في خضمّ عدم رضى داخلي متزايد، من عدد من مؤيدي بايدن ومعارضيه على حدّ سواء، يتّهمون ساكن البيت الأبيض بـ«التخاذل» في حماية القوات الأميركية «وردع الحوثيين»، والتقليل «عمداً» من أهمية الهجمات في البحر الأحمر.
وفي السياق، نقلت صحيفة «بوليتيكو»، في وقت سابق هذا الشهر، عن مسؤول أميركي قوله إنّ عدداً من المسؤولين في الإدارة الأميركية يشعرون بالإحباط ممّا يعتبرونه «تقليلاً متعمداً» من قبل الإدارة، من أهمية الهجمات التي تتعرض لها السفن والقوات الأميركية في البحر الأحمر، مدفوعاً بـ«رغبة بايدن في تجنب أي حرب أوسع في المنطقة التي تشهد اضطرابات بالفعل». كما دعا مسؤولون سابقون في الأمن القومي إدارة بايدن «إلى بذل المزيد من الجهد لردع الحوثيين عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر»، وردع «الجماعات الأخرى المدعومة من إيران عن شن هجمات إضافية على القوات الأميركية في العراق وسوريا». ومن أبرز المسؤولين الذين يتبنّون هذا الموقف، الجنرال المتقاعد كينيث مكينزي، الذي قاد جميع القوات الأميركية في الشرق الأوسط لمدة ثلاث سنوات، خلال رئاستَي دونالد ترامب وبايدن؛ إذ اعتبر أن الفريق الحالي يجب أن يرد «بقوة أكبر على الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر»، وأنّ إيران «تستغل غياب أيّ رد عسكري على الارتفاع الأخير في هجمات الحوثيين، والتي تشكل أيضاً تهديداً للسفن الحربية الأميركية، لمواصلة سلوكها العدواني». أمّا روبرت أوبراين، وهو آخر مستشار للأمن القومي في عهد ترامب، فاتّهم بايدن بالفشل في التصدي لـ«عشرات الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا»، واصفاً «الهجومين الانتقاميين» اللّذين شنّهما بايدن بـ«الطفيفين».
الجهود الأميركية تتركز على إنهاء «جنون» إسرائيل في غزة بسرعة، ومنعها من جرّ واشنطن إلى حرب إقليمية أوسع


أيضاً، أصبح عدد من المراقبين ينصحون واشنطن بالابتعاد عن مبدأ «عدم استفزاز إيران تجنباً لحرب إقليمية أوسع»، معتبرين، بحسب تقرير أوردته مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية هذا الشهر، أنّ «العدوان الإيراني يتطلب رداً أميركياً أقوى وأكثر اتساقاً وشمولاً».
بيد أنّه، بدلاً من الاستماع إلى الأصوات التي تدعو واشنطن إلى التصدي لهجمات محور المقاومة، في البحر الأحمر وسوريا والعراق، فمن الواضح أنّ الجهود الأميركية تتركز، حالياً، على إنهاء «الجنون» الإسرائيلي في غزة بسرعة، ومنع تل أبيب من جرّ واشنطن إلى حرب إقليمية أوسع، ولا سيما أنّ قوات صنعاء لا تتراجع عن ربط التصعيد من عدمه، في البحر الأحمر، بما تؤول إليه الأحداث في غزة حصراً. وعليه، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً جاء فيه أنّ أوستن سيبحث، خلال لقائه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، «بالتفاصيل» متى وكيف ستبدأ قوات الاحتلال الإسرائيلية «مرحلة جديدة» ستشمل، وفقاً لتصورات الأميركيين، تحرُّك «مجموعات أصغر من قوات النخبة، داخل المراكز السكانية في غزة وخارجها»، والقيام بمهام «أكثر دقة»، مدفوعة بالمعلومات الاستخبارية، لـ«العثور على قادة (حماس)، وإنقاذ الرهائن وتدمير الأنفاق»، باستلهام «الدروس المؤلمة التي تعلّمتها القوات المسلحة الأميركية في العقدين الماضيين، في فترة انتقالها من الحروب البرية الكبيرة في العراق وأفغانستان، إلى عمليات أكثر استهدافاً»، بحسب مسؤول في البنتاغون. وتتّسق دعوات أوستن مع تلك التي أطلقها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، خلال لقائه مع القيادة الإسرائيلية في تل أبيب، ومع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأسبوع الماضي؛ فوفقاً لمصادر مطّلعة، تحدثت إلى موقع «أكسيوس»، أبلغ سوليفان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وأعضاء «مجلس الوزراء الحربي»، أنّ الحرب في غزة بحاجة إلى «الانتقال إلى المرحلة التالية الأقل كثافة»، على أن يحصل ذلك «في غضون أسابيع وليس أشهراً».