القاهرة | بدأت خلية أزمة مشكَّلة من المخابرات المصرية والدائرة المحيطة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب مسؤولي هيئة «قناة السويس» والجيش، العمل على وضع تصوّرات للتعامل مع قرار مجموعة من شركات النقل البحري العالمية تغيير مسار سفنها، ليصبح عن طريق رأس الرجاء الصالح، بدلاً من «قناة السويس»، وذلك على خلفية الهجمات المتكرّرة التي تنفّذها حركة «أنصار الله» اليمنية ضدّ السفن المتّجهة إلى إسرائيل. وكانت عدّة شركات كبرى، من بينها «ميرسك» الدنماركية و«سي أم آ سي جي أم» الفرنسية، أعلنت تعليق تسيير سفنها في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، فيما قدّر مسؤول مصري رفيع المستوى، في حديث إلى «الأخبار»، خسارة «قناة السويس» بنحو 40% من عائداتها على الأقلّ، نتيجة تلك القرارات. وإذ يُرتقب أن يَظهر حجم هذا التأثّر بشكل أوضح مع بداية العام المقبل، تكثّف القاهرة تحرّكاتها واتصالاتها، علّها تستطيع إقناع الشركات بعدم تغيير مساراتها، مقابل الأخذ بمطالبها التأمينية، بما فيها مرافقة قطع بحرية للسفن الراغبة في عبور القناة، وهو إجراء، وإنْ كان ذا كلفة عالية على الدولة المصرية، لكنه أقلّ ضرراً من تعطّل الملاحة عبر «السويس» بشكل كامل.ووفقاً لتقرير رُفع إلى «لجنة إدارة الأزمة»، فإنّ حجم خسائر القناة سيرتفع بشكل مطّرد في الأسابيع المقبلة، مع ارتفاع كلفة التأمين على السفن أثناء عبورها البحر الأحمر، ما من شأنه أن يُعيق عمل الشركات الصغيرة. وسيُضاف ذلك، بطبيعة الحال، إلى قرار الشركات الكبرى تعليق عملها في البحر الأحمر، ما سيُفقد القناة - في حال استمرّ هذا الإجراء مدّة تزيد على شهر - نحو 90% من الإيرادات، أي عائدات ربحية تُقدَّر بمتوسّط 750 مليون دولار تحقّقها القناة شهرياً. وتضمّن تقرير تقدير الموقف الذي أعدّته اللجنة، الإشارة إلى التكاليف المرتفعة التي ستتكبّدها شركات الشحن، والتي ستؤدّي تالياً إلى ارتفاع تكاليف خدماتها بما لا يقلّ عن 25%، ليس فقط بسبب طول المدّة والوقود المستخدم وأجور العمل في الرحلات التي ستحتاج إلى أيام إضافية للوصول إلى وجهتها (باستخدام طريق رأس الرجاء الصالح)، ولكن أيضاً بسبب زيادة التأمين على ذلك المسار نتيجة طول المسافة. وتبحث اللجنة، أيضاً، إمكانية تقديم تسهيلات للشركات الكبرى، أو إتاحة عملية التأمين عبر شركات مصرية بأسعار مقبولة، وهو أمر، وإنْ كان يحمل مغامرة نسبياً في ضوء الخسائر الكبيرة المتوقّعة حال تعرُّض سفينة لهجوم يؤدّي إلى تدميرها، سيعتمد على عمليات تنسيق أمنية واسعة مع الولايات المتحدة في البحر الأحمر وأطراف أخرى، بما فيها حركة «أنصار الله»، للامتناع عن استهداف السفن المارّة.
حتى الآن، لا يوجد قرار واضح في شأن آلية التعامل مع الأزمة وإدارتها


حتى الآن، لا يوجد قرار واضح في شأن آلية التعامل مع الأزمة وإدارتها، في وقت يتسبّب فيه توسيع القوات اليمنية هجماتها لتشمل السفن التي تديرها شركات تتعامل مع إسرائيل، بتوسيع دائرة الشركات المتضرّرة، ما أصبح يهدّد القناة بشكل حقيقي. ووفقاً لمصادر «الأخبار»، فإنّ سيناريوات عدة تجري مناقشتها، وخاصة مع توقّع أعباء اقتصادية كبيرة نتيجة تراجع عائدات «السويس»، علماً أن الأزمة الراهنة تشبه ما حدث من تراجع لعائدات القناة في عام 2008 بنحو الربع تقريباً، نتيجة هجمات القراصنة. لذا، فإنّ التنسيق الأمني والمخابراتي، وحثّ الجانب الإسرائيلي على إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، سيكون لهما دور كبير في استعادة حركة الملاحة معدلاتها الطبيعية.
وسترفع لجنة الأزمة تقريراً دوريّاً إلى رئيس الجمهورية حول نتائج الاتصالات مع مسؤولي شركات النقل البحري، والتي بدأ بعض المسؤولين يتّهموها بـ«المبالغة في تقدير المخاطر»، بعدما انتظمت حركة الملاحة بشكل كبير في الشهرَين الماضيَين، فيما أصدر السيسي توجيهاته بتقديم أفضل مقترحات والاستجابة لمطالب الشركات للحدّ من الخسائر المحتملة. وتحاول مصر في الوقت الراهن إقناع الشركات بإبقاء الوضع على ما هو عليه، استناداً إلى ما تقول إنه هدنة قريبة يجري العمل عليها، ويتبعها وقف لإطلاق النار في غزة، بما يعني «انتفاء» المخاطر التي دفعت إلى اتّخاذ قرار تغيير مسار الإبحار.