رام الله | حوّلت إسرائيل معتقلاتها، بعد السابع من أكتوبر، إلى ساحة أخرى للقتل، وسط تعتيم على ما تقوم به بحق الأسرى، ورفضها السماح لطواقم «الصليب الأحمر» والمحامين بزيارتهم. ومن بين عشرات الأسرى الذين جرى إعدامهم في السجون خلال هذه الفترة، لم يتكشّف من تفاصيل إعدام هؤلاء سوى القليل، وكان بعضها متعلقاً باستشهاد الأسير ثائر أبو عصب في سجن النقب في 19 تشرين الثاني 2023، والتي رواها الفتى عمر عماد عطشان، بعد تحرّره من الأسر في صفقة التبادل التي عقدتها المقاومة قبل أسابيع. وفي التفاصيل، فإن أبو عصب سأل السجانين عن حقيقة وجود هدنة قريبة في قطاع غزة، لينفي السجان صحة ذلك، ثم ليعود في الليل ومعه 19 سجاناً ويشرعوا في الاعتداء على الأسير بالضرب حتى استشهد، علماً أنه محكوم بالسجن المؤبد، وقضى حتى هذا العام 18 عاماً في المعتقل. ويقول عطشان: «نادينا على عناصر الاحتلال ليقوموا بإسعافه، إلا أنهم تجاهلونا حتى توفّي نتيجة التعذيب». وإلى جانب أبو عصب، وُثق حتى الآن إعدام قوات الاحتلال خمسة أسرى منذ السابع من أكتوبر، وهم: عمر حمزة دراغمة، عرفات حمدان، ماجد زقول، عبد الرحمن مرعي من سلفيت وأسير آخر من غزة لم تعلن هويته، بالإضافة إلى عدد غير معروف من أسرى القطاع، جرى إعدامهم بشكل مباشر بعد اعتقالهم.على أن هذه الجريمة، برغم إقرار سلطات الاحتلال بها، فجر أمس، حين كشفت أن السجانين في سجن «كتسيعوت» قاموا بضرب أبو عصب، والتسبب بوفاته، وإعلانها أن تحقيقاً فتح ضدّ 14 متهماً، لا تعني بأي حال من الأحوال معاقبة مرتكبيها، الذين اعترفت السلطات بأنهم قاموا بضرب أبو عصب في إحدى الزنازين بالهراوات، ما أدى إلى إصابته في ظروف خطيرة. إذ خرجت، بالتوازي، جهات عدة للدفاع عن السجانين الذين جرى استجوابهم، ثم أطلق سراحهم ومنحوا إجازة حتى إشعار آخر، بينما قدّم محامو منظمة «حونينو» اليمينية، الذين يمثلون مجموعة من السجانين، استئنافاً إلى المحكمة ضد القيود التي فرضت على هؤلاء. من جهته، استبق وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، والذي تقع السجون ضمن صلاحياته، أي دعوات إلى محاسبة الجنود بالقول: «لن أجري محاكمة ميدانية لحراس السجن. لديهم قرينة البراءة، ولا مكان لتحديد مصيرهم قبل إجراء تحقيق شامل».
«نادي الأسير»: المخاطر على مصير المئات من الأسرى تتصاعد استناداً إلى عدة حقائق نقلها أسرى محررون


في هذا الوقت، تتوالى شهادات مرعبة من أسرى من قطاع غزة أفرج عنهم أخيراً، كشفت عن تعرضهم لأبشع صنوف التعذيب والانتقام، سبقها انتشار مقاطع مصورة أظهرت قيام جنود العدو بتعرية الأسرى واقتيادهم وهم عراة ومكبّلو الأيادي والأقدام ومكدسون في شاحنات، قبل نقلهم إلى المراكز العسكرية. وفي السياق، أشارت صحيفة «هآرتس» العبرية إلى أن قوات الاحتلال تحتجز أسرى غزة في قاعدة «سدي تيمان» بالقرب من بئر السبع، وبعضهم قد توفّي جراء ظروف الاعتقال، وقد جرى الإفراج عن البعض حفاة، ومن دون إعادة بطاقات هوياتهم أو الأموال التي كانت بحوزتهم عند القبض عليهم. ويقول أحد المحررين، للصحيفة: «لقد عصبوا أعيننا لمدة 40 يوماً، لم يطلقوا سراحنا لمدة دقيقة واحدة، هذه العلامات (على يديه) من الأصفاد الحديدية، علّقونا وصعقونا بالكهرباء»، مضيفاً «جاء جنود كبار في الجيش والتقطوا صوراً معنا، وقالوا إن هؤلاء هم سجناء حماس، وفي المرة الثانية جاؤوا والتقطوا صوراً وقالوا: هؤلاء سجناء ونحن نطعمهم ونسقيهم»، مستدركاً بأنهم «لم يحضروا لنا طعاماً أو شراباً، ومن الساعة الخامسة صباحاً نركع على ركبنا حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً». ووفقاً له، تم نقلهم أثناء الاعتقال إلى «عدة مواقع عسكرية، حيث تعرضوا للضرب والبصق والتبول عليهم».
ويقول محرر آخر إنه تم اعتقاله أثناء وجوده في منزله في حيّ الزيتون في مدينة غزة، وسلمّ نفسه للجيش بناءً على طلب الجنود: «خرجنا وسلّمنا بطاقات هويتنا. قيّدونا واقتادونا بعيداً، تركونا طوال ثلاثة أيام على الأرض في البرد ليلاً»، مشيراً إلى أنهم «عذبونا وقالوا لنا – هل أنتم حماس؟ قلنا إننا لسنا حماس. عندما طلبتم منا إحضار بطاقات هويتنا، أحضرناها معنا وسلّمنا أنفسنا. لو كنا حماس لكنا قد هربنا». وأضاف: «لقد عذّبونا عذاباً لم يشاهد مثله أحد في العالم»، لافتاً إلى أنه لم يُسمح لهم بالنوم إلا عند الساعة الثانية صباحاً، ومن ثم إيقاظهم في الخامسة صباحاً، لذلك كان عليهم أن يجلسوا على ركبهم لمدة أربع ساعات وأحياناً خمس ساعات. ويضاف شخص آخر، شهد أيضاً إجبارهم على الجلوس على ركبهم لعدة ساعات: «كانوا يدوسون علينا ويكسرون الهراوات علينا». وحول الإهمال الطبي، يقول أحد الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم: «كان هناك أشخاص مصابون بأمراض القلب والسكري ولم يتم علاجهم»، مشيراً إلى أنه يعرف شخصاً «مات أثناء الاحتجاز»، بينما شهد معتقل آخر أنه كان معه شخصان توفّيا نتيجة ما وصفه بـ«البرد والإهمال الطبي».
أما الأسير فاروق الخطيب من مدينة رام الله، والذي جرى الإفراج عنه مساء الأربعاء، فجسّد بدوره مثالاً صارخاً لما يتعرّض له الأسرى، حيث بدا في حالة صعبة للغاية من تراجع في وزنه (فقد أكثر من 30 كلغ) وتدهور في حالته الصحية، علماً أنه معتقل منذ آب الماضي. وبحسب عائلة الخطيب، فإن ابنها لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة قبل اعتقاله، وكان يعاني من تسارع في دقات القلب فقط، نتج إثر اعتقاله الأول الذي امتد لأربع سنوات. ومن جهته، يقول «نادي الأسير» إنّ الخطيب تعرّض لجريمة بعد اعتقاله، تمثلت في الاعتداء عليه بالضرب المبرّح من قبل قوات «النحشون» خلال نقله من سجن «عوفر» إلى «معبار الرملة»، وامتدت هذه الجريمة لاحقاً باستمرار اعتقاله إدارياً، رغم استمرار تفاقم وضعه الصحيّ الخطير. ويشير «النادي» إلى أنه «في ضوء عمليات التعذيب والتنكيل بحقّ الأسرى والمعتقلين بعد السابع من أكتوبر، فإن المخاطر على مصير المئات من الأسرى تتصاعد، استناداً إلى عدة حقائق نقلها أسرى محررون، وتقارير الطواقم القانونية التي تمكنت من تنفيذ زيارات محدودة للأسرى».