في عام 2018، نشر موقع قناة «الجزيرة» الإلكتروني مدوّنة بعنوان «التحليل السياسي العربي، مهنة من لا مهنة له» للباحث في جامعة «لوفان» البلجيكية، محمد العمر، قال فيها: «كلّ من هبّ ودبّ أصبح يقدم على فضائياتنا العربية كمحلّل سياسي أو حتى إستراتيجي، من دون أن يُعير القائمون على إعلامنا العربي أيّ قيمة أو انتباه لحساسية هذه المهنة التي تلعب دوراً هاماً في صناعة الوعي الجمعي وتحريك الرأي العام».بعد قرابة خمسة أعوام على نشر هذه السطور، باتت «الجزيرة» نفسها المحطة الأكثر استضافة للمحلّلين السياسيين والعسكريين الذين يسيطرون على الشاشة على مدار الساعة. فقد لجأت الشبكة القطرية إلى المحلّلين في إطار تغطيتها المتواصلة للعدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكثر من 80 يوماً. عشرات المحلّلين العرب يطلّون يومياً عبر الشاشة التي تتخذ من الدوحة مقرّاً لها، لكن فايز الدويري حظي بشهرة جعلت منه «نجم» تحليلات المقاومين في غزة الذين يخوضون معارك باسلة في وجه قوات العدو الإسرائيلي.
قبل سنوات كان اللواء المتقاعد في الجيش الأردني يحلّ ضيفاً على برامج «الجزيرة»، قبل أن تعتمده الأخيرة كمحلّل سياسي للمعارك والحروب في العالم، وآخرها الحرب الروسية ــ الأوكرانية. لكن تحليلاته حول تلك النزاعات، لم تنل صدى لا افتراضياً ولا على أرض الواقع. لكن المعادلة تغيّرت مع بداية العدوان على غزة، إذ بات الدويري ثابتاً على شاشة «الجزيرة» وعنصراً أساسياً في سياستها الإعلامية. منذ اندلاع معركة «طوفان الأقصى»، دأبت «الجزيرة» على إطلالة الدويري يومياً على رأس الساعة، ليحلّل الفيديوات التي تُصوّر بطولات المقاومين في غزة. هكذا، يكرّر الكلام نفسه مراراً من دون أن يشعر بالملل، وصار حضوره مرادفاً لتطورات المعارك في القطاع. يظهر الدويري على الشاشة الصغيرة ليرفع معنويات الشعوب العربية التي كان يتملّكها الإحباط قبل «طوفان الأقصى»، ويطلّ بثبات أمام الكاميرا متسلّحاً بفهمه للعبة الإعلامية وطلاقة لسانه وخبرته العسكرية، كأنه في قلب المعركة. يلعب على عواطف المشاهد المتعطّش لأيّ خبر سعيد من غزة، ويتحدث بعاطفة وإحساس عن الفلسطينيين، مؤكّداً أن فلسطين قضيته الأم.
لم تقف شهرة الدويري عند حدود كونه محلّلاً عسكرياً، بل تحوّل قبل ساعات إلى ترند على السوشال ميديا، بعدما عرضت «الجزيرة» فيديو لمقاومين في «كتائب عز الدين القسّام» أثناء استهدافهم قوّة إسرائيلية متحصّنة داخل منزل في منطقة جحر الديك، ما أسفر عن تدميرها بالكامل وسقوط أفرادها بين قتيل وجريح. في الوقت الذي كانت تُطلق فيه القذائف، يصرخ المقاوم قائلاً: «حلّل يا دويري»! لم تملّ «الجزيرة» من عرض الفيديو، مستضيفة الدويري الذي تباهى بالقطع المصوّرة والطلب، واصفاً إياه بأنّه «أجمل لحظات حياته».
فيديو «حماس» جاء ردّاً على كلام الدويري حول منطقة جحر الديك


في هذا السياق، يرى بعضهم أنّ فيديو «حماس» جاء ردّاً على كلام الدويري في المدة الأخيرة الذي اعتبر فيه «منطقة جحر الديك في غزة خاصرة رخوة للمقاومة»، بينما حققت المنطقة نجاحاً عسكرية بارزاً. وفي المقابل، اعتبر آخرون أنّ الدويري كان أحد عناصر الدعم الإعلامية للمقاومين في القطاع.
صحيح أنّ الدويري يردّد كلمات على شاكلة «الله أعلم» و«أظن» و«أعتقد» في سياق تحليلاته، في إشارة منه إلى أنّ حديثه يحتمل التأويل ويُخطئ أو يُصيب، لكن الأكيد أنّ آراءه السياسية تتناسب مع سياسة «الجزيرة» التحريرية. ومع انتشار فيديو «حماس» الأخير، عاد بعض الناشطين إلى أرشيف الدويري الذي يتباهى بـ «انتصاراته العسكرية» في صفوف الجيش الأردني، ليكتشفوا أنّه صاحب مواقف رمادية: يهاجم «حزب الله» والنظام السوري، ويصوّب سهامه على المقاومين في اليمن. لعلّ ما نشره أحدث روّاد X يعبّر عن الواقع، إذ توجّه إليه مستعيناً بأغنية «عايشة وحدا بلاك» لزياد الرحباني، وقال: «تسلملي تحليلاتك يا دويري»!
ازدواجية «الجزيرة» باتت مكشوفة، إذ إنّها تهاجم إسرائيل وتُناصر «حماس»، بينما تستضيف شخصيات إسرائيلية للوقوف عند آرائهم في الوقت الذي يتفنّن فيه العدو باستهداف إعلاميّيها في غزّة وعائلاتهم. علماً أنّ الصهاينة استهدفوا أخيراً مدير مكتبها في غزّة وائل الدحدوح في هجوم استُشهد فيه زميله المصوّر سامر أبو دقة (1979 ــ 2023). وفي عام 2022، اغتال العدو المراسلة شيرين أبو عاقلة (1971 ــ 2022) بالرصاص الحيّ أثناء تغطيتها غارة عسكرية على مدينة جنين في الضفة الغربية.