رام الله | يستمرّ مسلسل القتل في الضفة الغربية المحتلة، بالتزامن مع تصعيد جيش العدو اقتحاماته لكلّ مدنها ومخيماتها. وتمثّلت آخر حلقات هذا المسلسل في استشهاد كلّ من أحمد ياغي (17 عاماً)، وإبراهيم الطيطي (31 عاماً)، في مخيم الفوار جنوب الخليل. ووفق مصادر محلّية في المخيم، تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن قوات الاحتلال اقتحمت "الفوار"، وأَطلقت الرصاص الحيّ والقنابل الصوتية على المواطنين، ما أدّى إلى إصابة شابَّيْن، أُعلن عن استشهادهما لاحقاً، قبل أن تندلع مواجهات في المخيم، رشق خلالها الشبان القوات المقتحِمة بالحجارة والزجاجات الحارقة.لكنّ الأنظار اتّجهت، ابتداءً من مساء أول من أمس، إلى مخيم نور شمس في مدينة طولكرم، والذي شهد اقتحاماً واسعاً استمرّ حتى ساعات صباح أمس، واندلعت على إثره اشتباكات مسلّحة عنيفة جداً، وتخلّلها تفجير عبوات ناسفة محلّية الصنع بآليات العدو. وخلال العملية، دَفعت قوات الاحتلال بجرافتَين عسكريتَين، ونحو 60 آلية عسكرية، إلى داخل المخيم من الناحية الغربية لمدينة طولكرم، وسط تحليق للطائرات المُسيّرة، وحصار مطبق من كلّ الجهات، ترافق مع انتشار القنّاصة على أسطح المباني العالية المحيطة بـ"نور شمس" الذي أعلنه الجيش منطقة عسكرية مغلقة، مانعاً الدخول إليه أو الخروج منه. وقامت جرافات الاحتلال، في هذا الوقت، بتجريف الشارع المحاذي لمدخل المخيم، وشارع حارتَي المنشية والدمج، ودمّرت البنية التحتية، فيما لوحقت مركبات الإسعاف، وأُجبرت على مغادرة المكان تحت تهديد السلاح.
وفي إطار سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال، فجّرت قواته عدّة منازل للمواطنين في مخيم نور شمس، وقصفت عمارة سكنية قيد الإنشاء على مدخل ضاحية أكتابا شرق المدينة، كما شنّت حملة مداهمات واقتحامات للمنازل التي عاثت فيها دماراً وتكسيراً، فضلاً عن تنفيذها حملة اعتقالات في صفوف المواطنين. كذلك، دمّرت جرافات الجيش العسكرية أسوار عدد من المنازل والمدارس والمساجد في المخيم، وسحقت مركبات المواطنين، وهشّمت الشارع المحاذي لحاووز المياه المغذّي للمخيم. وفي المقابل، اعترف جيش العدو بإصابة أحد جنوده أثناء الاشتباكات، بينما ذكرت مصادر محلّية أن المقاومين تمكّنوا من إعطاب العديد من آليات الاحتلال.
يندرج التصعيد الإسرائيلي في الضفة في إطار سعي الاحتلال إلى استعادة قوّة ردعه وهيبته العسكرية


لكن ما بات ملاحظاً في اقتحامات الاحتلال، هو توزيع "بروشورات" تحمل تهديدات بتحويل المدن والقرى إلى غزة أخرى في حال استمرّت المقاومة، وهو ما جرى الإثنين في مدينة نابلس، وقرية برقة القريبة منها، والتي كانت على موعد مع اقتحام واسع استمر لأكثر من 20 ساعة، وانتهى مساء اليوم نفسه. وشارك في عملية الاقتحام نحو 300 جندي، شرعوا في إغلاق المداخل الرئيسيّة والفرعية للقرية، وعزْلها عن القرى المحيطة بها، قبل أن يشنّوا حملة اقتحامات واسعة للمنازل، التي احتلّوا بعضها وحوّلوها إلى نقاط عسكرية، ومراكز للتحقيق. أيضاً، اعتقلت قوات الاحتلال العشرات، واقتادتهم إلى المنازل المذكورة، قبل أن تفرج عن معظمهم لاحقاً. كما ألقت هذه القوات منشورات في شوارع برقة تحذّر المواطنين من استمرار إلقاء "العبوات المتفجّرة" المحلّية الصنع، أو ما تُعرف بـ"الأكواع"، وإلّا "سيكون مصير برقة وغزة متشابهاً إذا واصلتم رمي العبوات".
وتقع قرية برقة على الشارع الرئيسيّ بين مدينتَي جنين ونابلس، فيما يتعرّض جنود الاحتلال ومستوطنوه بصورة دائمة للرشق بالحجارة وإطلاق النار وإلقاء العبوات المتفجّرة عليهم خلال اقتحاماتهم القرية، أو أثناء تنقّلاتهم إلى مستوطنة "حومش" التي أعادوا احتلالها منذ مطلع العام الجاري، بعدما كانت مخلاة منذ عام 2005. والجدير ذكره، هنا، أن عمليات اقتحام القرية زادت وتيرتها منذ عودة المستوطنين إلى "حومش"، ومن بينها العملية الواسعة التي نفّذها جيش العدو في 12 تشرين الثاني الماضي، بهدف توفير الحماية لمستوطني "حومش" ومستوطني "شافي شمرون" القريبة من "حومش". وتزامنت تلك العمليات مع إخطار سلطات الاحتلال مواطنين بمصادرة نحو 34 دونماً من أراضيهم لصالح توسعة جديدة في "حومش".
ويندرج التصعيد الإسرائيلي في الضفة، والذي زادت وتيرته منذ السابع من أكتوبر، في إطار سعي الاحتلال إلى استعادة قوّة ردعه وهيبته العسكرية. كما تخدم هذه السياسة خطط الاحتلال للمرحلة المقبلة، المعدّة للضفة تحديداً، والتي ستكون أكثر خطورة وفق كل التقييمات، إذ تهدف إلى تطويق حالة المقاومة هناك، وعدم السماح لها بالانتقال إلى القرى والبلدات القريبة من المستوطنات. ولعلّ هذا ما ينطبق على بلدات محافظة قلقيلية التي تعيش على وقع تصعيد واقتحامات يومية، عقب تسجيل عدة عمليات مقاومة استهدفت المستوطنين فيها، في ما يراد منه التأسيس لسطوة أمنية إسرائيلية كاملة في تلك المناطق.
وإلى جانب الاقتحامات التي طاولت قرى وبلدات ومخيمات أخرى، شنّ جيش الاحتلال حملة اعتقالات واسعة - بعد أيام من انخفاض وتيرة الاعتقالات- استهدفت قيادات وكوادر "الجبهة الشعبية"، ومن بينهم القيادية خالدة جرار، ورامي فضائل، ورشاد كراجة، وغيرهم، علماً أنهم كلهم أسرى محرّرون. بدورهم، صعّد المستوطنون من اعتداءاتهم في الضفة، في الساعات الماضية، فيما دفعت هجماتهم المسلحة، عائلات فلسطينية تقطن في منطقة القانوب شرق الخليل، إلى مغادرة بيوتها قسراً تحت تهديد السلاح، لتستقرّ في برية شعير.
وتبقى محافظة نابلس، المنطقة الأكثر تعرّضاً للاستهداف من جانب المستوطنين، حيث سجّل مواطنون مقطعاً مصوّراً يُظهر تدريباً للمستوطنين على إطلاق النار قرب قرية عورتا جنوب نابلس، بينما أصيب فلسطينيان من بلدة دير استيا برضوض وكسور، بعد اعتداء مستعمرين عليهما. كما أطلق مستوطنون النار على مزارع في قرية قريوت جنوب نابلس، وأجبروه على مغادرة أرضه. أيضاً، هاجم مستوطنون مركبات المواطنين بالحجارة على طريق طولكرم - نابلس، قرب مفترق الطنيب، ما أدّى إلى إصابة شاب بجروح.