وعلى الرغم من القناعة التي ترسّخت لدى كثيرين من المراقبين والصحافيين، حول إخفاء العدو الأرقام الصحيحة لخسائره البشرية والمادية، وذلك بناءً على أدلّة واقعية ومُثبتة ومتكرّرة، إلا أن ما تسمح الرقابة العسكرية بنشره فقط، كافٍ للدلالة على شراسة القتال في قطاع غزة، سواء في جنوبه أو شماله. ومساء أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 9 جنود في معارك غزة وعلى الحدود مع لبنان. وكان قبل ذلك بساعات قليلة، أُعلن عن إصابة 43 جندياً وضابطاً خلال 24 ساعة فقط. وتركّزت الاشتباكات، الثلاثاء، في مناطق شمال القطاع، وتحديداً في أحياء مدينة غزة، حيث دارت اشتباكات ضارية في منطقة شارع النفق، وفي جحر الديك جنوب شرق المدينة، وسط قصف مدفعي مكثّف. وأعلنت «كتائب القسام» عن عدد من العمليات، منها «تمكّن مجاهديها من تفجير عين نفق مفخّخة بقوة صهيونية مكوّنة من 8 جنود شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة وأوقعوها بين قتيل وجريح». كما أعلنت «سرايا القدس» عن عملية مشتركة مع «القسام»، «تمكّن فيها المقاومون من الإجهاز على قوة صهيونية متحصّنة في أحد المنازل في منطقة جباليا البلد شمال القطاع، بالأسلحة الرشاشة وبقذائف الـ«TBG»، ما أدّى إلى إيقاع القوة بين قتيل وجريح». كذلك، أعلنت «سرايا القدس» قصفها مجدداً عسقلان وسديروت ومستوطنات غلاف غزة الشمالي، مرتين على التوالي، برشقات صاروخية.
برز انقسام داخل «مجلس الحرب» حول موعد الانتقال إلى المرحلة الثالثة
وبينما يدفع الجيش الإسرائيلي بقوات «الفرقة 36» في محور هجوميّ جديد على مخيم البريج وسط القطاع، كانت المعطيات الواردة من الشمال تفيد بانسحاب أعداد كبيرة من آليات العدو من مناطق عديدة، في ما يبدو وكأنه انتقال بطيء وعلى مراحل إلى المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية، والتي من المفترض أن يكون بموجبها انتشار القوات محصوراً في حزام حدودي ضيّق. وفي هذا السياق، قالت «القناة 12» العبرية إن «الجيش الإسرائيلي يتحضّر لتغيير إستراتيجيته العسكرية في قطاع غزة بعد التوصّل إلى قناعة بأنه لن يتم القضاء على حماس خلال الفترة القريبة ضمن العملية العسكرية البرّية»، في حين أكّدت «القناة 13» وجود «خلافات في مجلس وزراء الحرب بشأن استمرار المرحلة الحالية من الحرب». لكن، في المقابل، شدّد رئيس هيئة الأكان في الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على أن «الحرب ستستمرّ عدة أشهر أخرى، وسنعمل في غزة بطرق مختلفة حتى تفكيك حماس»، معيداً ترداد مزاعم «الاقتراب من تدمير حماس في شمال غزة». كما أكّد هاليفي مواصلة الحرب «أسابيع أو شهوراً للوصول إلى قيادة حماس»، مضيفاً أن «القصف الجوّي سيتواصل من دون توقف لدعم قواتنا على الأرض». ومن الواضح أن قيادة الجيش تشدّ الحبل لصالح توسيع العمليات العسكرية، ومنحها مزيداً من الوقت؛ إذ ليس بيدها اليوم، ما تخرج به إلى الجمهور أو لجان المحاسبة، ويمكن أن يعفيها أو يخفّف عنها مسؤولية الفشل الذريع في تنبّؤ عملية «طوفان الأقصى»، وحتى التعامل معها.
وفي هذا الإطار، برز انقسام داخل «مجلس الحرب» حول موعد الانتقال إلى المرحلة الثالثة، حيث يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، في اتجاه استمرار الحرب بوتيرتها الحالية حتى نهاية كانون الثاني/ يناير المقبل. في المقابل، يرى الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت، أنّه يجب على الجيش الانتقال إلى المرحلة الثالثة في أسرع وقت ممكن. ونقلت «القناة 13» عن آيزنكوت وغانتس قولهما إن «الجيش استنفد ما أوكل إليه في بعض الأمكنة، ولا داعي لإبقاء ألوية كاملة هناك». ودعوَا إلى «بدء مداولات المنطقة العازلة والانتقال إلى المرحلة المقبلة». وقال آيزنكوت وغانتس إنّ «الانتقال إلى المرحلة الثالثة يتيح نقل الغزّيين من الأماكن التي لم يجرِ جيش الاحتلال فيها عمليات بعد». من جهة أخرى، كشفت «القناة 12» الإسرائيلية أنّ «قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية طالبوا نتنياهو بعقد جلسة خاصة لنقاش السيناريوهات المستقبلية لمصير غزة ومن سيحكمها بعد انتهاء الحرب، ثلاث مرات منذ السابع من أكتوبر، ولكنّ نتنياهو رفض ذلك».