غزة | بعد ثلاثة أيام من التوغّل البرّي الإسرائيلي في عمق منطقة جباليا البلد شمال قطاع غزة، تراجعت الدبابات، يوم الإثنين، بضعة مئات من الأمتار، من عمق الحي إلى أطرافه الجنوبية والشرقية. ورغم أنّ احتمال تقدّم الدبابات في المناطق نفسها التي تراجعت عنها في أيّ لحظة لا يزال قائماً، إلّا أنّ آلاف المواطنين الذين كانوا قد نزحوا إلى عمق مخيم جباليا شمالاً، ومستشفى «الشفاء» وشارع الوحدة جنوباً، بدأوا يعودون لتفقّد منازلهم وذويهم الذين رفضوا الخروج. المشاهد في أحياء جباليا البلد والجرن هي ذاتها في أيّ منطقة تصل إليها آليات العدو: دمار كلّي للطرقات والبنية التحتية وأعمدة الكهرباء وخطوط الماء وشبكات الصرف الصحي. أمّا المنازل، فما سلم منها من التدمير الكلي، دكّته المدفعية حتى تداعى للسقوط، فيما الأعداد المعدودة من الأبنية التي لم يطلها قصف الطيران الحربي والمدفعي، أحرقها الجنود قبل انسحابهم منها.في مربع مدارس الإيواء التي كان يقيم فيها عشرات الآلاف من النازحين، في مقابل مسجد العمري التاريخي المدمر، اقتادت قوات الاحتلال المئات من الرجال إلى التحقيق. يقول أحمد عبد ربه، وهو واحد من هؤلاء الذين عايشوا التجربة القاسية: «تَقدّم الجنود إلى مدرسة الرافعي بالدبابات والجرافات، هدموا السور، ثمّ طلبوا من جميع الرجال الخروج بالملابس الداخلية. لمدّة ثلاثة أيام أبقونا جالسين في العراء والبرد. اعتقلوا العشرات بعد عرضهم على ضباط التحقيق، ثمّ أرسلوا خمسة رجال منا لحمل كل المصابين والجرحى واقتيادهم إلى التحقيق أيضاً». ويضيف أحمد، في حديثه إلى «الأخبار»: «عندما عدنا، وجدنا أكثر من 20 جريحاً شهداء... لا ندري هل أُعدموا أم قُصفوا».
حتى قبل التوغّل البري بيوم واحد، مثّلت جباليا البلد المنطقة الأكثر أماناً طوال مدّة الحرب. ولذا، نزح إليها عشرات الآلاف من المواطنين، رغم أنها لم تسلم هي الأخرى من المجازر العائلية الكبرى وتدمير المربعات السكنية. في هذه المنطقة، كان يتوافر ما تبقّى في شمال غزة من المواد التموينية والمعلبات، ولكن جنود العدو تعمّدوا إحراق المحلات التجارية كافة وتدميرها. يقول أحمد أبو نصر، وهو مالك محل تجاري: «حرقوا كلّ محلاتي، أنا آخر تاجر في شمال غزة عنده كمية من الأرز، كنت أبيع بالسعر المعتاد لكلّ عائلة كيلو واحد في اليوم، وكانت متوافرة كمية محدودة من التوابل والبقوليات ومعجون الطماطم. كلّ شيء حُرق، حتى المخزن البعيد عن الشارع العام وصلوله الجنود وحرقوه».
في الشارع الرئيسي للمنطقة، يتحدّث الأهالي عن معارك ضارية خاضها المقاومون مع جيش العدو. يقول الحاج أبو العبد الذي لم يغادر منزله: «دمّروا في الساحة المقابلة للطريق المؤدية إلى السوق 10 آليات». يشير الرجل إلى منزل قريب منه قبل أن يضيف: «اطلع ع البيت، شوف آثار دماء ثلاثين جندي ضربوهم الشباب بالقذائف». في البيت المشار إليه، رصدنا حماماً من دماء الجنود، فيما أخبرنا مصدر ميداني من الحي بأن جيش العدو استغرق يوماً كاملاً في إخلاء الجرحى والقتلى، وأحرق المنزل لإخفاء آثار الدماء. وكانت «كتائب القسام» قد أعلنت تفجير أكثر من 12 دبابة، واستهداف قوات راجلة بقذائف الـ«تي بي جي»، بالإضافة إلى تشريك صاروخَي «إف 16» لم ينفجرا، وتفجيرهما في منزل تحصّن فيه العشرات من جنود الاحتلال.