يضمّ معرض «أمير غزة الصغير» مروحة من الأسماء العربية الرائدة في مجال التشكيل والفنون البصرية على رأسهم ضياء العزاوي ونبيل عناني وسليمان منصور وعبد الرحمن المزين، والراحلين ليلى شوّا وإسماعيل شمّوط ونذير نبعة، إلى جانب مجموعة متنوّعة من الحساسيات والوسائط التعبيرية والأجيال الفنية مثل هاني زعرب، وعامر الشوملي، بشار الحروب، وعماد أبو اشتيه، وأيمن بعلبكي، وسميرة بدران وتيسير بركات. هنا ترجمة لنصّ المعرض الذي كتبته بشرى بتلوني:«يُقام معرض «أمير غزة الصغير» بمبادرة من «مؤسسة رمزي وسائدة دلّول للفن» (DAF) في بيروت، بالتعاون مع المتحف الفلسطيني في الضفة الغربية في فلسطين. إنه مخصّص لأطفال غزة الأبرياء، ضحايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر. هذا المعرض ليس مجرد عرض فني؛ بل هو نصب تذكاري، وسردية، وتحيّة موجعة لرحيل أكثر من 8500 طفل تراوح أعمارهم من صفر إلى 18 عاماً، وإلى ثبات ثقافة ما زالت تتمسّك بالأمل رغم كل المشقّات.
شوقي شوكيني ــ «الأمير الصغير: طفل غزة» (برونز ــ 118.5 × 51.5 ×33.5 سنتم ــ 2010)

المعرض المستوحى من منحوتة شوقي شوكيني البرونزية «الأمير الصغير: طفل غزة» (2010)، يسلط الضوء على القضية الفلسطينية بشكل عام وأوضاع الأطفال الفلسطينيين بشكل خاص. على خلفية العدوان الإسرائيلي الأخير على المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، يؤمن معرض «أمير غزة الصغير» منصّة لإبراز النضال الفلسطيني وإعلاء الأصوات التي غالباً ما لا تُسمع في هذا الصراع، أي أصوات الأطفال.
في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، شنّت حركة المقاومة الإسلامية والجهة الحاكمة الرئيسية في قطاع غزة، هجوماً مباغتاً على الحدود الإسرائيلية. قُتل المئات واحتُجز العشرات كرهائن في ذلك اليوم. وبدعوى الدفاع عن النفس، ردّ الجيش الإسرائيلي بتصعيد الأعمال العدائية بشكل غير متكافئ إزاء القطاع المحاصر. وعلى الرغم من الدعوات الرامية إلى وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل وحلفاؤها تنفيذ الإبادة الجماعية والتدمير غير المسبوق لمنازل الفلسطينيين والبنى التحتية والأراضي، فضلاً عن حصد أرواح سكّان غزّة الصغار.
مفتاح هذا المعرض هو منحوتة «الأمير الصغير: طفل غزة» التي وُضعت في مركز الصدارة على المنصّة، لأنها تقدّم تمثيلاً ملموساً لمن، وما الذي يتمّ تدميره في الهجمات التي تُشنّ في غزة. يحمل التمثال، المصنوع من البرونز، والبالغ طوله أكثر من متر بقليل، قصةً متشابكةً تعكس تشظّي حياة أطفال غزة وتأثيرها عليهم.
الأسلوب التكعيبي لـ «الأمير الصغير: طفل غزة» يجسّد تناقض طفل عالق دوماً في حالة من الصدمة، كما يُظهر على وجه التمثال بعينه الواسعة وفمه الصغير، بينما يظهر فجأة أيضاً كانعكاس للصور الوحشية للمذبحة الخارجة من غزة. وبينما يُفترض بالمادة أن تعكس انهيار وتفكّك حياة الأطفال في ظل الاحتلال، فقد تجسّدت الآن في شكل أطراف ممزقة، وتدمير الأمان الذي تعكسه منازلهم، والتشريد الإضافي للفلسطينيين داخل أراضيهم. لكن في حين أن بعض جوانب هذه القطعة تجسد الواقع المأساوي، فإنّ قلبها المنحوت يخبرنا أن هناك المزيد: عبر عينه المحفورة، يتطلع الصبي الصغير نحو المستقبل، بينما يؤكد قلبه الحاضر دائماً على التشبّث بالحياة.
عنوان المعرض «أمير غزة الصغير» هو تحيّة للرواية المحبوبة عالمياً للكاتب أنطوان دو سانت إكزوبيري. يأتي سحر «الأمير الصغير» من تجاور الطيبة الصادقة والبراءة وملاحظات شخصيته الرئيسية، الفتى الصغير، في تفاعلاته مع عبثية ووحدة الراشدين الذين يلتقي بهم في مغامراته. غالباً ما يشعر الطفل الصغير بالإحباط بسبب عدم قدرة البالغين على فهم أي شيء مهم حول العالم من دون تقديم شروحات مفصّلة. في حين أنّ هذه المحادثات تهدف إلى إضفاء طابع رومانسي على الحكمة الفطرية التي يحملها جميع الأطفال الذين ينظرون إلى العالم بعين البراءة، فإنّ نضج شخصية الطفل الصغير يأتي عبر فهمه للمسؤولية التي يدين بها تجاه من يحبّهم: «تصبح مسؤولاً، إلى الأبد، عمّا روّضته».
أُطّرت هذه اللحظة على أنها لحظة نموّ حقيقي، إذ يدرك الطفل الصغير ما هو مهم حقاً في العالم. وبالمثل، يخبرنا التمثال أنّه بالنسبة إلى أطفال غزة، يجب أن يكون هناك مجال للخيال والمغامرة، وللنمو الشخصي كي يصبحوا أفراداً بالغين بالتمام والكمال. مع ذلك، فإن حقيقة بنائه بالبرونز الصلب والتكعيبية المجزأة، تشير إلى حقيقة أخرى أشدّ قسوة. في قسم كبير من وسائل الإعلام الغربية المهيمنة، تُدرج المهمة العسكرية في غزة ضمن منطق بارد هو منطق الواقعية السياسية. في هذا الإطار، تتبع المصالح الذاتية وبقاء الدولة الإسرائيلية، ورد فعلها العسكري اللاحق، المفهوم المشكوك فيه أخلاقياً المتمثل في عبارة «الغاية تبرّر الوسيلة». ويُبرّر ذلك للمشاهدين عبر مفاهيم من قبيل أنّ الآلاف من الأرواح البشرية هي أضرار جانبية، وأن الاستخدام غير المتناسب للقوة ضروري، وأن هدم منازل الناس وحياتهم يمثل كلفةً مقبولة. في هذه العملية، تصبح الرسالة واضحة تماماً: هناك أرواح أعلى قيمةً من أخرى.
في الواقع، هناك أمير آخر يمكن إشراكه في المحادثة.