لا تبدو شعبية الرئيس الأميركي، جو بايدن، في أفضل أحوالها، مع اقتراب الرجل الثمانيني من تجريب حظّه في ولاية ثانية في رئاسيات 2024. والواقع أن ثمّة أسباباً كثيرة وراء «عدم الرضى» الشعبي على بايدن، من بينها: سنّه المتقدّمة، التضخّم والهجرة، أداؤه الوظيفي بشكل عام، فيما العامل الرئيسي الذي يسهم إلى حدّ كبير في تشكيل الرأي العام الأميركي، كما العالمي، متمثّل في موقف الإدارة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والذي وجّه «صفعة قوية» ليس إلى بايدن فحسب، بل وأيضاً إلى مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية.وإذ تكثر التعليقات في هذا الإطار، بدا لافتاً ما عنونت به مجلة «نيوزويك» الأميركية إحدى مقالاتها من أن «دونالد ترامب يتلقّى أفضل الأنباء لهذه السنة». تقول المجلة إن الرئيس الأميركي السابق بات يكتسب شعبية في أوساط فئة دائماً ما كانت تشكّل «عائقاً» أمام المرشّحين الجمهوريين في مختلف الولايات الأميركية، في إشارة إلى الناخبين الشباب. وتستند في تقديراتها إلى استطلاع للرأي أجرته، هذا الشهر، صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع جامعة «سيينا»، أظهر أن ترامب يتقدّم على بايدن بنقطتَين مئويتَين على مستوى البلاد. أمّا اللافت في الاستطلاع، فكان التراجع «المقلق» لشعبية الرئيس الحالي في أوساط الفئة الشابة، الداعمة في «الظروف الطبيعية» للحزب الديموقراطي. ويتّضح، والحال هذه، أن الظروف التي تختبرها إدارة بايدن، ولا سيما في مجال دعمها المطلَق لإسرائيل، «غير طبيعية» بالمرّة، إذ إنّ «ثلاثة أرباع» الناخبين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، يعارضون طريقة تعامل الإدارة مع الحرب على غزة. وفي حين أن هناك انقساماً واضحاً في موقف المجتمع الأميركي بشكل عام تجاه إسرائيل (44% يعارضون استمرار الحرب، مقابل 39% يؤيدونها حتى مع تصاعد عدد القتلى المدنيّين)، فإن معظم الناخبين الشباب ينظرون، بحسب «نيويورك تايمز»، نظرة «سيئة» إلى إسرائيل، وقلّة منهم فقط تعتبر أن الأخيرة «جادّة في شأن السلام مع الفلسطينيّين»، وما يقرب من نصفهم يقولون إن القوات الإسرائيلية تقتل المدنيين عمداً، وثلاثة أرباعهم يعتبرون أن إسرائيل «لا تتّخذ الاحتياطات الكافية لتجنّب وقوع إصابات في صفوف المدنيين»، والغالبية منهم تعارض «تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية لتل أبيب».
اكتسب ترامب أخيراً شعبية في أوساط فئة الشباب التي دائماً ما شكّلت «عائقاً» أمام المرشّحين الجمهوريين


ووفقاً لما أظهره الاستطلاع، قال 49% من الناخبين الشباب إنهم ينوون دعم ترامب في الانتخابات المقبلة، و43% قالوا إنهم سيصوّتون لبايدن، علماً أنه في تموز الماضي، وطبقاً لاستطلاع أجرته أيضاً «نيويورك تايمز» و«سيينا»، كان بايدن يتفوّق على ترامب في أوساط هذه الفئة بعشر نقاط مئوية (47% مقابل 37%). ويُشار إلى أن الاستطلاع الأخير شمل ألفاً و16 ناخباً مسجّلين في جميع أنحاء البلاد، وأُجري باللغتَين الإنكليزية والإسبانية، بين 10 و14 كانون الأول الجاري، ويحمل هامشَ خطأ مقداره 3.5 نقاط مئوية. وفي حين تتباين النتائج بين استطلاع وآخر، أظهرت استطلاعات رأي أخرى مثلاً أن بايدن لا يزال يتقدّم على ترامب في أوساط الشريحة المشار إليها، إلّا أنّ المواقف الداعمة لفلسطين هي الأكثر انتشاراً في صفوف الشباب، ما يرجح أنّهم سيتردّدون في انتخاب الحزب الديموقراطي في الاستحقاقات المقبلة.
وتناولت كثير من التحليلات حول رئاسيات 2024، الوضع في ولاية ميشيغان تحديداً، والتي يبدو أنها تشهد تغيّراً في «المعادلة السياسية»، يعود جزء كبير منه، بطبيعة الحال، إلى حرب غزة. وفي هذا السياق، أَظهر استطلاع منفصل أجرته مجلّة «نيوزويك»، وركّز بشكل أساسي على ميشيغان (متأرجحة)، التي فاز جو بايدن بغالبية 150 ألفاً من أصواتها فقط في عام 2020، وستشكّل واحدة من ساحات القتال الرئيسية في الانتخابات القادمة، أنه بعدما حقّق الديموقراطيون سلسلة من المكاسب في الانتخابات النصفية (2022) في هذه الولاية، فإن بايدن يتّجه، على الأرجح، نحو «كارثة» فيها مستقبلاً، إذ تراجعت نسبة التأييد له بـ14 نقطة مئوية، بعدما عارض 49% من الناخبين سياساته، مقابل 35% أعربوا عن دعمهم لها. وفي ما يتعلّق باستجابة الرئيس للحرب على غزة، كشف الاستطلاع أن نسبة التأييد للإدارة تراجعت 18% مقارنة بما كانت عليه بداية الحرب.

معضلة «أخلاقية»
على أن الاستطلاعات الأخيرة لا تكشف، وفقاً لعدد من المراقبين، أن الشباب الذين «خسرهم» بايدن سيصوّتون، بالضرورة، لترامب، المؤيّد بدوره لإسرائيل، والذي يعارض منح الطلاب إعفاءً من القروض؛ إذ إن استطلاعاً أجرته أيضاً «نيويورك تايمز/ سيينا»، في تشرين الثاني الماضي، أَظهر أن 34% من الناخبين الشباب يخطّطون لدعم مرشّح مستقلّ، هو روبرت كينيدي جونيور (شمل الاستطلاع 3 آلاف و662 ناخباً مسجلاً في ست ولايات، في المدة الممتدّة من 22 تشرين الأول إلى 3 تشرين الثاني). وتتماشى هذه النتائج مع معلومات كانت قد أوردتها، أواخر تشرين الثاني الفائت، صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، تفيد بأن عدداً ليس بقليل من الطلاب الجامعيين والشباب بشكل عام أصبحوا يفضّلون أن يكون هناك طرف ثالث، بدلاً من أن تكون المنافسة، في الانتخابات المقبلة، محصورة مرّة جديدة بين بايدن وترامب، مشيرةً إلى أن بعض الطلاب أصبحوا يجدون أنفسهم أمام ما هو أشبه بـ«معضلة أخلاقية»، ويشكّكون في ما إذا كانوا سيصوّتون فعلاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مع ذلك، ورغم تلك الانقسامات والتحدّيات التي تواجه كلَا المرشّحَين، جنباً إلى جنب مع «وفرة» المرشّحين من الحزبين، هنالك شبه إجماع بين المراقبين على أن المنافسة الرئاسية القادمة ستجمع، مرّة جديدة، بايدن وترامب. وبمعزل عن «التحديات القانونية» الماثلة أمام المرشّح الجمهوري الأوفر حظّاً، فإن ما يزيد من حظوظه، بحسب تقرير نشرته «واشنطن بوست»، ليس فقط كونه يتصدّر سائر المرشّحين الجمهوريين في العديد من الولايات، بل «طبيعة» الناخبين الذين يسهمون في هذه الصدارة؛ إذ إن نسبة الذين «حسموا» أمرهم وقرّروا التصويت لترامب، أعلى بكثير من أولئك الذين حسموا موقفهم إزاء سائر المرشّحين. وبحسب التقرير نفسه، فإن الأرقام التي جمعها ترامب، إلى الآن، في الولايات الخمس الأولى: نيفادا، كارولينا الجنوبية، ميشيغان آيوا ونيوهامبشير، تعادل تقريباً، وأحياناً تتجاوز، تلك التي احتاجها المرشّحون تاريخياً لكسب الولايات المذكورة. ويضاف إلى ما تَقدّم، أن الرئيس السابق لا يزال يمتلك نفوذاً واسعاً في أوساط الحزب الجمهوري، فيما يجد بايدن صعوبة أكبر، مع مرور الوقت، في «توحيد» حزبه الديموقراطي خلفه.
بيد أنّ «لعنة» الدعوات القضائية لا تزال تلاحق ترامب؛ إذ قضت «المحكمة العليا» في ولاية كولورادو الأميركية، الثلاثاء، بـ«عدم أهليته» لخوض انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية للانتخابات الرئاسية في الولاية، على خلفية اقتحام أنصاره الكونغرس عام 2021. واستندت المحكمة في قرارها إلى «المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر» في دستور الولايات المتحدة، والذي ينصّ على أن «أيّ شخص أقسم على الولاء لدستور الولايات المتحدة يُمنع من أن يشغل أيّ منصب منتخب، إذا ما نكث بقسم اليمين عبر مشاركته في تمرّد ما». وتعود جذور هذه المسألة، إلى أيلول الماضي، عندما رفع ستة ناخبين جمهوريين ومستقلّين في كولورادو دعوى قضائية لمنع ترامب من المشاركة في الاقتراع في تلك الولاية.
إلا أنّه، ورغم أن ترامب أصبح أول مرشّح رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة، غير مؤهل لدخول البيت الأبيض بموجب البند الدستوري ذاك، فإنّ قرار المحكمة سيبقى معلّقاً حتى الرابع من كانون الثاني، في انتظار الطعن الذي سيقدّمه - حتماً - فريق محامي الرئيس السابق أمام المحكمة العليا الأميركية، علماً أن أيّ قرار تتّخذه الأخيرة في هذا الصدد، سيكون ملزماً للمحاكم الأدنى في أنحاء البلاد. وفي حال طلبت «العليا» «مراجعة» القرار قبل الموعد النهائي المحدَّد، فسيظلّ اسم ترامب على بطاقة الاقتراع، «حتى تلقّي أيّ أمر أو تفويض من المحكمة العليا»، وسيكون، بالتالي، قادراً على «المضي قدماً» في ترشّحه. ووفقاً لمحامٍ للحزب
الجمهوري في ولاية كولورادو، فإن الحزب طلب من المحكمة العليا «التدخُّل»، وهو ما يُعدّ بمنزلة طلب استئناف للقرار، فيما من المتوقّع أن يُقدِم ترامب، بنفسه، على هذه الخطوة أيضاً. وفي حين تبحث ولايات أميركية أخرى السير على تلك الخطى أيضاً، مترقّبةً مصير الدعوى التي تقدَّمت بها محكمة ولاية كولورادو، فقد رفضت محكمة ميشيغان العليا، الأربعاء، من جهتها، طلباً مماثلاً، لاستبعاد ترامب من قائمة المرشحين للانتخابات التمهيدية فيها.