في موازاة الأزمة الداخلية العميقة التي تعيشها «هيئة تحرير الشام»، على خلفية حملة الاعتقالات الواسعة التي ينفّذها زعيم «الهيئة»، أبو محمد الجولاني، والتي طاولت عدداً من أبرز قياديّي الصفّ الأول في جماعته، طرحت «حكومة الإنقاذ» التي شكّلها الجولاني في إدلب، مشروع «قانون خاص بالآداب العامة»، تنقل بموجبه مهمّة مراقبة الآداب العامة من سلطة المجموعات والفصائل والشيوخ (الحسبة) إلى عهدة الشرطة. يأتي ذلك عقب تمكن بعض القياديين الملاحَقين من الفرار، وأبرزهم المسؤول المالي، جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، الذي فرّ إلى ريف حلب بعدما حاول الجولاني اعتقاله، قبل أن تتدخّل تركيا وتحميه.وفي وقت ظهر فيه مشروع القانون الذي طُرح للنقاش على أنه جزء من عمليات المأسسة التي يجريها الجولاني ضمن مناطق نفوذه، بدت واضحة محاولة الرجل الإيحاء ببعض التحرّر، عن طريق عدد من البنود التي تضمّنها مشروع القانون، وأبرزها تحديد سن فرض الحجاب فوق الـ 12 عاماً، بعدما كان مفروضاً بشكل كيفي على الإناث، بالإضافة إلى تحديد آليات واضحة للفصل بين الذكور والإناث في الأماكن العامة، وفرض الإغلاق خلال صلاة الجمعة. وأوكلت مَهمة التدّخل لقمع «المخالفات» التي نصّ عليها «القانون» إلى قسم جديد في جهاز الشرطة أُطلق عليه «شرطة الآداب»، ويضمّ خرّيجي الشريعة، علماً أن الجولاني انتقد في أوقات سابقة سلوك «شرطة الحسبة»، وذلك في سياق عمليات التحوّل التي قادها نحو الاعتدال، بعد انفصاله عن تنظيم «القاعدة»، حيث اعتبرها «موروثاً ثقافياً مرتبطاً بما حصل في السعودية ومناطق سيطرة تنظيم داعش».
بالإضافة إلى تحديد سنّ فرض الحجاب، تضمّن «القانون» مجموعة واسعة من البنود المتعلقة بالاختلاط


وإلى جانب ما تقدّم، تضمّن «القانون» مجموعة واسعة من البنود المتعلّقة بالاختلاط، من بينها منْع بيع الرجال «الأشياء الخاصة بالنساء، ومنع دخول الرجال إلى الأماكن المخصّصة للنساء»، و«منع المعازف، والعروض المرئية والمسموعة المخالفة للدين والذوق العام»، و«منع عرض السلع التجارية الخادشة للحياء على واجهة المحال»، ومنع الاختلاط بين الجنسَين في الحفلات»، بالإضافة إلى «تخصيص حرس دائم على البوابات الرئيسيّة يُنظّم دخول الأفراد والعائلات إلى الأسواق والمولات»، و«منع الاختلاط في العمل بين الجنسَين، سواء في قطاع عام أو خاص، إلا بإثبات أنهما من المحارم».
ويعمل الجولاني، بدعم واستشارة تركية، على «مأسسة» مناطق سيطرته، في إطار مشروع واسع يهدف في محصلته إلى تحويل رجل «القاعدة» السابق وجماعته إلى جزء من المعارضة المعتدلة؛ إذ شملت عمليات «المأسسة» تلك النشاط العسكري، وهو ما برز بوضوح بعد قضاء زعيم «الهيئة» على معظم خصومه، وحلّ وطرد عدد من الفصائل غير السورية، والزجّ بالفصائل غير السورية الأخرى على جبهات القتال مع الجيش السوري للتفرّغ لـ«حكم إمارة إدلب»، التي يسيطر على جميع مواردها الاقتصادية.