في أعقاب الضربة التي أدّت إلى استشهاد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، وأحد أهم مهندسي عملية «طوفان الأقصى»، صالح العاروري، جنباً إلى جنب قياديين وعناصر آخرين في الحركة، سلط الاستهداف الإسرائيلي، الذي أجمع المحللون على أنّه حصل بـ«دقة عالية»، الضوء على سبب استمرار سقوط هذا العدد الهائل من المدنيين في قطاع غزة، ومدى قدرة إسرائيل على مواصلة تسويق روايتها حول أنّ عدوانها الهمجي يستهدف، فعلياً، مقاومي حركة «حماس» حصراً، وأنّ استشهاد المدنيين يندرج في إطار «الخسائر الجانبية» للعمليات الإسرائيلية «المُوجّهة» في القطاع. وكان لا بدّ من أن يتركز الحديث في وسائل الإعلام الغربية أيضاً على الشكل الذي سيتّخذه رد «حزب الله»، بعدما حذّر الأخير، في غير محطة، من أنّ أي عملية اغتيال تقع في الأراضي اللبنانية ستقابل برد عنيف من المقاومة. وعلى ضوء ما تقدّم، يتخوف المراقبون من أن يؤدي التصعيد الإسرائيلي الأخير، وما سيقابله من ردّ، إلى حرب إقليمية أوسع، تشمل «انجرار» المزيد من القوات الأميركية إلى مواجهات جديدة في المنطقة نفسها التي تحاول الولايات المتحدة، جاهدة، الانسحاب قدر المستطاع منها.ودفعت عملية اغتيال العاروري بعدد من المراقبين والحقوقيين في الغرب، إلى القول إنه إذا كانت إسرائيل «تمتلك هذا الكمّ من المعلومات الاستخباراتية والدقة التي تخوّلها استهداف شخص معين، في بلد آخر»، بهذا الشكل، فإنه بالإمكان الاستنتاج أن عمليات استهداف المدنيين في غزة «متعمدة»، ولا سيما أن الاغتيال الأخير وقع في شقة سكنية، وسط مكان مأهول بالسكان. كما أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان، جنباً إلى جنب تعبير عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، في وقت سابق، عن عدم ممانعتهم، في حال دعت الحاجة، توسع الصراع ليشمل حرباً إقليمية «أوسع»، يوحي، طبقاً لبعض التحليلات، بأن إسرائيل أصبحت تسعى فعلياً إلى توسيع رقعة الحرب - ولا سيما بعد فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة في غزة -، «وجرّ» القوات الأميركية إلى المنطقة، في وقت لا يبدو فيه أنّ صناع السياسة الإسرائيليين «ينصتون» فعلياً إلى توصيات إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي تكثّف مساعيها لمنع تصعيد القتال على الجبهة الشمالية. توازياً مع ذلك، أصبح المسؤولون الأميركيون على قناعة، حالياً، بأنّ العملية الإسرائيلية الأخيرة ستعرقل إلى حدّ كبير الجهود التي كانت تبذلها واشنطن لإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل، مقابل وقف، ولو مؤقت، لإطلاق النار. وفي مؤشر جديد إلى تزايد الهوة بين تل أبيب وواشنطن، أكد مسؤولان أميركيان، لموقع «أكسيوس» الأميركي، الثلاثاء، أنّ «إسرائيل كانت وراء الضربة الأخيرة»، إلا أنّهما شددا، في المقابل، على أنّها «لم تُحط إدارة بايدن علماً، قبل تنفيذها الهجوم». وبدوره، أكد مسؤول إسرائيلي أنّ تل أبيب «لم تنبه واشنطن مسبقاً إلى الضربة»، مشيراً إلى أنّها أخطرتها «لدى تنفيذ العملية» فقط.
وبالحديث عن ردّ المقاومة، وبالرغم من محاولة المسؤولين الإسرائيليين التأكيد أنّ هذه الضربة كانت تستهدف مسؤولين في «حماس» تحديداً، نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ إسرائيل تستعد لتلقّي «ردّ قاسٍ من حزب الله»، يشمل ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي «بصواريخ بعيدة المدى». ومن أبرز المعبرين عن الخوف من توسع رقعة الحرب في المنطقة أيضاً، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي سارع، في أعقاب اغتيال العاروري، إلى الاتصال بعضو «مجلس الحرب الوزاري الإسرائيلي»، بيني غانتس، حاثاً إياه على «تجنب أي سلوك تصعيدي، ولا سيما في لبنان».
يرى البعض أنّ إسرائيل أصبحت تسعى إلى توسيع رقعة الحرب، ولا سيما بعد فشل تحقيق أهدافها في غزة


وبالرغم من «الأهمية» التي تكتسبها مثل هذه العملية بالنسبة إلى تل أبيب، إلا أنّ الأخيرة، التي عجزت، بعد أكثر من تسعين يوماً على بدء الحرب، عن تحقيق أي انتصار عسكري أو سياسي في غزة وسائر أنحاء فلسطين المحتلة، تدرك جيداً أنّ استهداف العاروري، لن يكون كافياً لتثبيط عزيمة المقاومة، وهو ما ينعكس في حديث أحد مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية السابقين، إلى صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، والذي اعتبر فيه أنّ «تحييد شخص مثل العاروري قد يؤثر كثيراً، إنما بشكل مؤقت، على آلية عمل الحركة»، متابعاً، في المقابل، بما معناه أنّ لدى «حماس» أفراداً قادرين على استكمال الدور الذي كان يؤديه المسؤول الفلسطيني الكبير طوال المدة الماضية؛ أي الدور الذي أنتج «طوفان الأقصى»، وجميع ما ترتّب، ولا يزال يترتّب، على الإسرائيليين من خسائر غير مسبوقة في أعقابه.