طهران | تعرّضت إيران، أول من أمس، لأكبر عملية إرهابية في تاريخها المعاصر من حيث عدد الضحايا، من شأنها، بسبب تزامنها مع الحرب الإسرائيلية على غزة والاغتيالات الأخيرة في سوريا ولبنان، أن تصبّ المزيد من الزيت على النيران الملتهبة أصلاً في المنطقة. وتضرّج الناس الذين كانوا قد توجّهوا إلى مرقد القائد السابق لـ»قوة القدس» في «الحرس الثوري»، الشهيد اللواء قاسم سليماني، في مدينة كرمان، جنوب شرقي إيران، لإحياء الذكرى السنوية الرابعة لاغتياله، بدمائهم على إثر تفجيرَين إرهابيَّين هائلَين. وفيما تحدّثت مصادر رسمية إيرانية، الأربعاء، عن مقتل 103 أشخاص في الحادث، أفاد رئيس منظّمة الطوارئ الإيرانية، أمس، بمقتل 84 شخصاً، وإصابة 284 آخرين. وعلى هذه الخلفية، أُعلن في إيران الحداد العام، فيما أرجأ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، زيارته التي كانت مقرّرة يوم أمس إلى تركيا، إلى موعد آخر، وذلك بعدما كانت قد أُرجئت من قَبل، في الـ28 من تشرين الثاني.كذلك، عقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعاً، أمس، واتّخذ قرارات تتعلّق بالإسراع في تحديد الآمرين والمنفّذين ومعاقبتهم. وحتى مساء أمس، لم تتبنّ أيّ مجموعة مسؤولية التفجيرَين الكبيرَين، لكنّ تزامنهما مع العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقوعهما بعد أيام من اغتيال القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي في سوريا، والقيادي «الحمساوي» صالح العاروري في لبنان، دفع المسؤولين الإيرانيين إلى تحميل إسرائيل - إنْ بشكل مباشر أو غير مباشر - مسؤولية تنفيذهما، والتوعّد بـ»الثأر» منها على خلفيتها، علماً أن وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا»، ذكرت، أمس، أن «انفجار كرمان الأول ناجم عن عملية انتحارية نفّذها رجل». وفي وقت لاحق من مساء أمس، تبنّى تنظيم «داعش» التفجيرَين، مشيراً، عبر قنواته على «تلغرام»، إلى أن اثنين من مقاتليه «فجّرا حزاميهما الناسفَين (...) وسط تجمّع كبير للرافضة المشركين قرب قبر زعيمهم قاسم سليماني في مدينة كرمان جنوبي إيران».وفي أعقاب صدور البيان، سارعت الخارجية الأميركية للتعليق عليه، قائلةً إن «ما حصل في كرمان الإيرانية هجوم إرهابي، ويحمل بصمات هجمات داعش».
وقبلها بيوم، حمّل رئيسي إسرائيل المسؤولية، قائلاً إن «الصهاينة، وبسبب الحملة العالمية المُثارة ضدّهم على خلفية المجازر المروّعة التي يجترحونها ضدّ المدنيين، وعدم تحقيقهم النتيجة المرجوّة بالنسبة إليهم، باتوا، ومن منطلق العجز واليأس، في صدد توسيع رقعة التدهور الأمني إلى سائر المواقع في المنطقة». وهو ما أكّده أيضاً كل من النائب الأول للرئيس الإيراني، محمد مخبر، وقائد «قوة القدس»، إسماعيل قاآني، فيما اعتبر نائب رئيس البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، أن «كون هجوم كرمان الإرهابي لم يكن عملية انتحارية، يُظهر أن ذلك هو من فعل الكيان الصهيوني». وبدوره، قال إسماعيل كوثري، ممثّل طهران في البرلمان الإيراني والقائد السابق لمقر «ثار الله» الأمني التابع لـ»الحرس الثوري»، في معرض إشارته إلى اعتداءات كرمان: «المؤكد أن هذا الإجراء، هو من فعل إسرائيل والأميركيين، عملاؤهم والتابعون لهم هم الذين ينفّذون هكذا جرائم»، مضيفاً: «إرهابيو الكيان الصهيوني، وكونهم لم يتمكّنوا في جبهة غزة من تحقيق نجاح، فهم يقومون بصورة مبعثرة ومتفرّقة بتنفيذ عمليات مختلفة».
وبالتزامن مع التنديد بالتفجير الإرهابي في كرمان وإعراب مختلف الدول والمنظمات الدولية عن مواساتها، بدءاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وصولاً إلى تركيا والسعودية وقطر، انشغلت السلطات الأميركية بنفي ضلوع إسرائيل في الحادثة. وبينما أحجم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «إسرائيل أبلغت حلفاءها أنه لم يكن لها ضلع في تفجيرات إيران». أمّا الأوساط الإعلامية الإيرانية، فقد وجّهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل، معتبرةً أن التفجير المزودج الأخير هو انتقام إسرائيلي من إيران ومحور المقاومة على خلفية عملية «طوفان الأقصى». وكتبت صحيفة «كيهان» القريبة من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي: «إن وقوع هذا الحادث الأليم والجائر في هذه الأيام حيث دحرت المقاومة الإسلامية في عملية طوفان الأقصى العدو الصهيوني في ظلّ شجاعتها وذكائها، وحيث تقف سائر الخلايا ومجموعات المقاومة في المنطقة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، بفتوّة ورجولة بوجه الاستكبار العالمي وداعمي جرائم الصهاينة، وتجعلهم مرتبكين وعاجزين، هو بحد ذاته مؤشّر إلى أن أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما يصبحون في مقابل القوة والذكاء والمنطق العادل، عاجزين وقانطين، فإنهم يلجأون إلى الانتقام بغدر وظلم، من الشعب الإيراني».
«إرنا»: انفجار كرمان الأول ناجم عن عملية انتحارية نفّذها رجل


ووفق صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية، «لم يتمّ إلى الآن نشر خبر عن طبيعة الإرهابيين، ولم تتبنّ أيّ مجموعة مسؤوليته، وهذا يمكن أن يزيد من احتمال ضلوع إسرائيل فيه، لأن هذا الكيان لا يتبنّى عادة مسؤولية إجراءاته الإرهابية على الفور، بل إن المصادر غير الرسمية هي التي تقوم بعد مضيّ فترة من الزمن بالكشف عن دوره. وفي هذا الحادث، فإن أول مؤشّر إلى دور الكيان، هو أن بعض الحسابات الإسرائيلية زعمت أن أحد قادة الحرس الثوري قُتل في التفجير، بيد أن المتابعات أَظهرت أن هذا النبأ كان مزيّفاً، وأن أيّاً من كبار قادة الحرس الثوري، لم يكن متواجداً في أطراف منطقة الانفجار. ومع ذلك، فإن الأنباء الأولية التي بثّتها المصادر الإسرائيلية تشير إلى أن الكيان أراد بشكل غير رسمي، البوح عن دوره، والرد بهذه الطريقة على دعم إيران لمجموعات المقاومة في حرب غزة».