منذ ساعات الصباح، كان محيط مسجد الإمام علي في طريق الجديدة قد تحوّل إلى منطقة عسكريّة. آليات الجيش وعناصره الملثّمون انتشروا إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي. شبّان متّشحون بالسواد يحملون الأجهزة، يقطعون معظم الطرقات المؤدّية إلى المسجد، مع التدقيق في وجوه الدّاخلين إلى «المربّع».أبناء طريق الجديدة مشدوهون للمشهد. هنا تُشيّع «حركة حماس» شهداءها الثلاثة: القائد الجهادي الكبير الشيخ صالح العاروري، والقائد القسامي عزام الأقرع وعضو الحركة محمد الريّس الذين استشهدوا في الغارة الإسرائيلية على مقرهم في الضاحية الجنوبية.
حُملت النعوش على أكتاف رفاق الشهداء ومعهم أبناء طريق الجديدة. بعض «أولاد المنطقة» وقفوا عند مداخل المسجد يستقبلون النعوش، وآخرون أطلّوا برؤوسهم من شرفات منازلهم، إذ إنّ هذا التشييع أيقظ حنين هؤلاء الى يوم كانت هذه المفارق مقراً للمقاومين اللبنانيين والفلسطينيين. لم يجد أبناء المنطقة هذا التشييع غريباً عنهم، فـ«حماس» أيضاً ليست بغريبةٍ عنهم. ومع ذلك، تعامل البعض بقلة احترام، حيث بقيت أبواب محالّ تجارية مُلاصقة للمسجد مفتوحة، حتّى المقهى القريب منه بقي مشرّع الأبواب، وإن كان روّاده قلّة.
على جانب الطريق، يقف إمام وخطيب «مسجد الإمام علي» الشيخ حسن مرعب على عكّازه الخشبي ينتظر وصول جثامين الشهداء. على الجانب الآخر تركن سيارة حمراء توزّع الأعلام الخضراء المذيّلة بشعار «حركة حماس» على الواقفين إلى جانب الطرقات، فيما أنشودة «فتنتني يا شهيد» تصدح في المكان.
الواحدة والنصف، وصل جثمان أحد الشهداء. يستقبله المشاركون بالتشييع بكلمات «الله أكبر... الله أكبر». في باحة المسجد، الشبّان المنضوون في «حماس» يعتمرون القبعات الخضراء، يقفون لتنظيم الدّخول والخروج ويدقّقون في كلّ شاردةٍ وواردة. يقف قائدهم، موجّهاً إيّاهم في كيفيّة تنظيم التشييع، منذ الصلاة وحتّى خروج الجثامين من المسجد وكيفيّة حمل الصور والنعوش حتّى لا يتقدّم واحدٌ على الآخر. هو لا يُريد أي خطأ فـ«العيون علينا مفتوحة». وإلى جانب أبناء «حماس»، كان المنظّمون في «الجماعة الإسلاميّة» يقومون بدورهم، وبدا وجودهم كثيفاً في المكان، فيما تقدّم أمينهم العام الشيخ محمّد طقوش الصفوف الأماميّة للمصلين كتفاً على كتف مع قياديّي «حماس»: موسى أبو مرزوق، أحمد عبد الهادي، أسامة حمدان وزاهر جبارين، بالإضافة إلى ممثل مفتي الجمهورية أمين الفتوى في الجمهورية، الشيخ أمين الكردي الذي أمّ المصلين.
غابت الدولة عن التشييع كما غاب نواب المنطقة وحضرت الجماعة الإسلامية بقوة


وإلى جانب هؤلاء كان بعض ممثلي «حزب الله» وعلى رأسهم مسؤول الملف الفلسطيني النائب السابق حسن حب الله يدخلون إلى المكان، ولكن لا أثر لأعلام «الحزب» في باحة المسجد أو محيطه، إذ إنّ هذه الأعلام لم تظهر إلا عند دوار شاتيلا إلى جانب مدافن شهداء فلسطين. كما حضر الوزير السابق وئام وهاب برفقة رئيس «حزب التيّار العربي» شاكر البرجاوي، ولم يُسجل أي حضور للدّولة ولا حتّى للنواب المحسوبين على المنطقة!.
ومع ذلك، كان لـ«حماس» ما أرادت: تشييع شعبي غصّت به شوارع طريق الجديدة وصولاً إلى دوار شاتيلا، بمشاركة اللبنانيين والفلسطينيين كرسالة واضحة إلى العدو الإسرائيلي. فيما كان لافتاً أن العديد من أبناء المخيمات تحمّلوا مشقة الانتقال من مخيمات المناطق في باصات إلى دوار شاتيلا للمشاركة في تشييع القائد ورفاقه. لكنّ الطريق المؤدية إلى المدافن أُقفلت بسبب كثرة المشاركين الذين توجّهوا إلى داخل الجبانة من أجل إلقاء النظرة الأخيرة، لكنّ الدفن اقتصر على حضور عائلات الشهداء وقياديّي «حماس» فقط. بينما تسلّق بعض الشبان السور الفاصل لالتقاط الصور الأخيرة.
عند الجهة الغربية من المدافن، ألقيت كلمات سياسية، كان أبرزها كلمة مسجّلة لرئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، ليتعاقب على الحديث حب الله وطقوش، الذي توعّد العدو بردّ على الجريمة.