رام الله | وصف وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، مدينتَي جنين وطولكرم، بـ«عاصمتَي الإرهاب»، لعدم وجود استيطان يهودي فيهما، محاولاً تشبيههما بقطاع غزة، للقول إن الحلّ لمواجهة ذلك يكون بإطلاق يد الاستيطان في شمال الضفة الغربية وفي القطاع على السواء. على أن هذا الموقف لا يقتصر على سموتريتش وحده؛ فالتحريض على القتل والانتقام والتهجير بات يسيطر على إسرائيل، وهو ما ينعكس يوميّاً في عمليات الاغتيال والاقتحام التي تنفّذها قوات الاحتلال في الضفة، وآخرها تصفية ثلاثة شبّان في طولكرم (ضاحية أكتابا)، مساء الإثنين، والتنكيل بجثثهم.وأصبحت مدن نابلس وجنين وطولكرم بمخيماتها وأريافها، تشكّل، منذ بدء العدوان على غزة، مثلّث الاقتحامات والعمليات العسكرية الكبيرة للجيش الإسرائيلي في الضفة، والتي تتخلّلها اشتباكات مسلّحة عنيفة، فيما يُسجل تصعيد في أعمال المقاومة والمواجهة في مناطق أخرى من مثل قلقيلية وطوباس، ما يجعل جيش الاحتلال يصل الليل بالنهار لدى اقتحامه تلك المناطق، وتنفيذه اغتيالات واعتقالات فيها.
ووفقاً لشهود عيان من أكتابا، تحدّثوا إلى «الأخبار»، فإن قوات الاحتلال الخاصّة تسلّلت إلى الضاحية بهدف محاصرة أحد المنازل الذي تواجدت فيه مجموعة شبان. وتفاجأ هؤلاء أثناء انسحابهم من المنزل بوجود الجنود الإسرائيليين عند مدخله، حيث أطلق الأخيرون النار عليهم من مسافة قريبة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة منهم بشكل مباشر في الرؤوس، فيما تمكّن آخرون من الانسحاب من المكان. وقال الشهود إن دوريات العدو نكّلت بجثامين الشهداء يوسف علي الخولي (22 عاماً)، وعاهد سلمان موسى (23 عاماً)، وطارق أمجد شاهين (24 عاماً)، إذ قامت إحداها بالسير فوق جسد أحدهم ذهاباً وإياباً، ولأكثر من مرّة، وتحديداً فوق رأسه، ما تسبّب في تشويه معالم وجهه بالكامل وتهشيم رأسه.
ولم تمرّ بضع ساعات على جريمة الاغتيال، حتى عادت قوات الاحتلال لاقتحام مدينة طولكرم مجدّداً، بعشرات الآليات العسكرية. وتركّز الاقتحام هذه المرّة على مخيّمها، حيث أصيب 9 مواطنين بجروح سبّبتها شظايا قصف نفّذته طائرة مسيرة استهدفت أحد المنازل، في وقت فرضت فيه قوات الاحتلال حصاراً مطبقاً على كل مستشفيات المدينة ومراكزها الصحية. كما انتشرت القوات الإسرائيلية في مختلف الشوارع والطرق المحيطة بالمخيم الذي حاصرته من جميع مداخله، ونشرت قناصتها على أسطح المباني العالية المحيطة به، دافعة بتعزيزات إضافية وجرافات عسكرية من المحور الغربي للمدينة، بالتزامن مع تحليق طائرات الاستطلاع في الأجواء.
تشنّ قوات الاحتلال حرباً موازية في الضفة، وتدفع بالأوضاع إلى الانفجار الشامل


كذلك، اقتحم جيش العدو عدداً من القرى والبلدات في المحافظة، منها عنبتا وبيت ليد، فيما شهدت أحياء متفرقة من المدينة ومحاور عدّة في المخيم اشتباكات مسلّحة عنيفة، فجّر خلالها مقاومون عبوات ناسفة محلّية الصنع بآليات الاحتلال وجرافاته، والتي قامت بدورها بعمليات تجريف وتخريب واسعة. وقالت «كتيبة طولكرم» (سرايا القدس) إن مقاتليها اشتبكوا مع الاحتلال في طولكرم، ما أدى إلى إصابات مؤكدة وخروج عدد من الآليات من الخدمة، كما أنها أفشلت عدداً من محاولات التوغّل إلى عمق مخيّم المدينة.
وفي مدينة نابلس، أصيب 7 شبان على الأقلّ، صباح أمس، خلال مواجهات واشتباكات مع قوات الاحتلال التي اقتحمت مخيمَي عسكر القديم وبلاطة بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية، ومن عدّة محاور. وفي بيان مقتضب، قالت «كتائب شهداء الأقصى» في نابلس: «مقاتلونا يخوضون اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في مخيمَي بلاطة وعسكر بالرصاص والعبوات الناسفة». أيضاً، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة اقتحامات وتفتيش في مناطق مختلفة من الضفة، تخلّلتها مواجهات في بعض المناطق، أبرزها اقتحام قرى في محافظة جنين، ومنها سيلة الظهر، ويعبد، وعرابة، ونزلة زيد، وطورة، وبير الباشا، وجلبون، وفقوعة، ودير غزالة، وعرانة، إضافةً إلى اقتحام بلدات في محافظة الخليل، كبني نعيم وبيت أمر، وأخرى في قلقيلية ورام الله ونابلس.
وفي الوقت الذي تشنّ فيه قوات الاحتلال حرباً موازية في الضفة، وتدفع بالأوضاع إلى الانفجار الشامل، ذكر التلفزيون الإسرائيلي أنّ قادة الأجهزة الأمنية حذّروا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عدّة مرات في الأيام الأخيرة، من أنّ الضفة على حافة اندلاع أعمال عنف كبيرة. وبحسب «القناة 12»، نقل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، وغيره من كبار القادة العسكريين، هذه التحذيرات، وقالوا إن إسرائيل تخاطر بفتح جبهة جديدة وسط الحرب ضدّ «حماس» في قطاع غزة، والاشتباكات المستمرة على الحدود الشمالية مع «حزب الله». كما أن وزير الأمن يوآف غالانت، والوزير بيني غانتس، تمّ تحذيرهما من احتمال حدوث اضطرابات كبيرة في الضفة.
وذكر التقرير أن القلق المتزايد يأتي على خلفية احتجاز إسرائيل مئات ملايين الدولارات من عائدات الضرائب التابعة للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى رفض السماح لنحو 150 ألف عامل فلسطيني بالعودة إلى وظائفهم في إسرائيل والمستوطنات، مع الإشارة إلى رفض نتنياهو إجراء تصويت في مجلس الوزراء الأمني لإلغاء القرارَين، في ظلّ ضغوط من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرّف. ونُقل عن قادة الجيش الإسرائيلي، قولهم: «قد ينتهي بنا الأمر إلى انتفاضة ثالثة (في الضفة الغربية) بسبب السخط الناتج من الصعوبات الاقتصادية وعدم دخول العمال إلى إسرائيل». ويأتي ذلك بينما يبدو أنّ الفوبيا التي أصابت المستوطنين من عملية «طوفان الأقصى»، انتقلت إلى المستوى الرسمي، إذ ذكرت مصادر عبرية أنّ أعضاء كنيست من «لجنة الخارجية والأمن» يطالبون بنقاش حول احتمال هجوم تنفّذه السلطة الفلسطينية ضدّ إسرائيل، مطالبين الجيش بعرض خطط عملياتية لمثل هذا الخيار.