أنهى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارته لإسرائيل من دون أن يتلقى ردوداً كاملة على الأسئلة التي حملها من واشنطن الى تل أبيب، بما يخص الساحة اللبنانية التي تلامس حدّ الانفجار الكبير. تقوم رؤية واشنطن على «تنازلات» متبادلة، ترى أنها تتيح للجانبين تحقيق أقصى المصالح الممكنة عملياً. وهي تشمل، من الجانب اللبناني ضمانات ميدانية وعملية بعدم ترجمة تهديد حزب الله وقدراته إلى أفعال عدائية (هي منشأ الخشية الإسرائيلية من اليوم الذي يلي التصعيد بمستواه الحالي)، وتنازلات إسرائيلية ترى واشنطن أنها قد ترضي حزب الله، وإن لم تصل حتى الآن إلى حد البلورة النهائية.ويبدو أن الجانبين غير رافضين للحلول الديبلوماسية. إلا أن الحرب في غزة تثقل على التسوية المنشودة، إذ إن دخول الحرب المرحلة الثالثة لا يكفي على ما يبدو لقبول حزب الله ببدء «الأخذ والعطاء»، والتفاوض غير المباشر على حلول ضمن الرؤية الأميركية للتسوية.
من ناحية إسرائيل، يركز الموقف المعلن، على لسان المسؤولين، على مطلب ترحيل قدرات حزب الله المادية والبشرية عن الحدود الى عمق مبالغ فيه، باعتباره مطلباً ثابتاً لا يمكن التنازل عنه، سواء عبر الحلول الديبلوماسية أولاً، أو عبر الخيارات العسكرية ثانياً.
وكما هو واضح، فإن الحديث عن خيار الحرب في مرحلة بلورة حلول ديبلوماسية يعمل عليها الجانب الأميركي، جزء لا يتجزأ من أوراق الضغط الإسرائيلية في محاولة لتليين موقف حزب الله، بغضّ النظر عمّا إذا كان الإسرائيلي معنياً فعلاً، أو يريد الخيارات العسكرية التي يهدد بها، في حال فشل المساعي الأميركية لبلورة الحل.
إلا أن ما يثقل على الحل الديبلوماسي، ويرجّح مبدئياً الخيارات المتطرفة، هو التقديرات الخاطئة لدى إسرائيل، وكذلك لدى «الوسيط» الأميركي، وإن بمستوى أقل. إذ يستند العدو إلى نظرته للمواجهة الحالية المحدودة، بنتائجها ومخرجاتها، وكذلك إلى صورة الدمار وقتل المدنيين في غزة، لإقناع نفسه بأنه قادر على فرض إرادته على حزب الله. وهذا من شأنه أن يقرّب الحرب، لا أن يستبعدها، وإن كان الحديث الإسرائيلي ثابتاً على أولوية الحل الديبلوماسي بين الجانبين. كذلك فإن تقديرات «الوسيط» الأميركي المنحاز الى إسرائيل إزاء موقف حزب الله لا تخلو من أخطاء، وإن كانت أقل ممّا هي لدى الإسرائيلي. وهذا الأمر أيضاً يقرّب الحرب ولا يستبعدها.
وكيفما اتفق، يبدو أن الأمور تتجه الى تغيير ما، إما عبر حل ديبلوماسي مستند إلى تسوية تتضمن تنازلات متبادلة موزونة، هو ما تقول الإدارة الأميركية إنها تعمل عليه، وإن كان الشك قائماً في تقدير نيات واشنطن وتل أبيب، أو عبر تحوّل المواجهة المحدودة الحالية إلى حرب شاملة. وهو ما لا يمكن إنكاره. فأن تكون إسرائيل معنية بتحقيق مطلبها في لبنان عبر الحلول الديبلوماسية، لا يعني أن الخيار الآخر، أي الحرب، بات ممتنعاً، وخصوصاً أنها تستند إلى تقديرات خاطئة بإمكان أن تدفع حربها المحدودة، مع رفع حدّة التصعيد، الى تراجع في موقف حزب الله. وفي المقابل أيضاً، أن يكون حزب الله غير راغب في الحرب الشاملة، لا يعني أن الحرب لن تنشب، وخصوصاً إذا دُفع إليها دفعاً.