الحسكة | بعد «استراحة» قصيرة لم تتجاوز الأيام، عاودت تركيا استهداف مناطق سيطرة «قسد» في الشمال السوري، بالطيران والمدفعية، على رغم التصريحات الكردية الأخيرة التي تحدّثت عن «وعود أميركية» بإنهاء هذه العمليات. ونفّذ الطيران التركي، منذ الخامس من الجاري، عدّة عمليات قصف طاولت معسكراً لـ«قسد» في ريف القامشلي، ومقارّ لها في قرية الفاطسة في ريف الرقة، وقريتَي البوغاز والكاوكلي في ريف منبج، وقرى سموقة ومرعناز وتل عناب في ريف تل رفعت. كما أدى قصف مدفعي على أم الكيف، في ريف تل تمر في الحسكة، إلى تعطل شبكة الكهرباء، وانقطاعها عن عشرات القرى في المنطقة. وطبقاً لبيان صادر عن وزارة الدفاع التركية الأربعاء، فقد حيدت قواتها «5 عناصر من ميليشيا (قسد) والوحدات الكردية (YPG)، كانوا يستعدون لشنّ هجوم على منطقة غصن الزيتون شمال سوريا»، بعدما كانت قد أعلنت، قبل يوم واحد، «مقتل 3 عناصر من الوحدات الكردية (YPG)، كانوا يستعدون للهجوم على مناطق نبع السلام شمال سوريا». وكانت أحصت وسائل إعلام كردية تنفيذ الجيش التركي 798 هجوماً على مناطق شمال شرق سوريا، في عام 2023، استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، وشملت 103 عمليات قصف بالطيران الحربي والمسير، أدّت، طبقاً للمصدر نفسه، إلى مقتل أكثر من 305 أشخاص، بين عسكري ومدني. وينافي التصعيد الأخير ما حُكي عن وعود أميركية بوضع حدّ للهجمات التركية على الشمال، والتي تأتي في ظلّ سعي واشنطن للتأسيس لـ«مصالحة» تركية - كردية، عبر إجراءات، شملت دعمها تعيين أحد وجهاء القبائل العربية، وهو الأكاديمي السوري الأميركي محمود المسلط، المقرب أيضاً من تركيا، على رأس «مجلس سوريا الديموقراطية». بيد أنّ استمرار أنقرة في التصعيد ميدانياً يوحي بأنّ الوعود الأميركية هي «أحادية الجانب».
أحصت وسائل إعلام كردية تنفيذ الجيش التركي 798 هجوماً على مناطق شمال شرق سوريا، في عام 2023


وسبق للقائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، أن أعلن أن «الولايات المتحدة قدمت وعوداً بإنهاء التعديات التركية على شمال سوريا، ونحن ننتظر النتائج»، متحدثاً أيضاً عن «اتصالات أجرتها قيادة (قسد) مع مسؤولين أميركيين، أعربوا فيها عن قلقهم حيال الهجمات التركية وتداعياتها على السكان، وجهود القوات العسكرية في الحملة ضد (داعش)». واعتبر عبدي أن «الصمت المخزي في مواجهة الهجمات المستمرة ضدنا، تثير الشكوك في أن تركيا تهاجمنا بموافقة غير رسمية من شركائنا»، مضيفاً أن «هذه الضربات تعكس تساهلاً أميركياً مقابل موافقة تركيا على عضوية السويد في (الناتو)». في المقابل، أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في تصريحات إلى وسائل الإعلام أول من أمس، أن بلاده «ستواصل ملاحقة الإرهابيين سواء في الداخل أو الخارج».
وبعدما كانت «قسد» تدأب، مع كل تصعيد تركي، على اتهام روسيا «بالتواطؤ مع الأتراك»، فإنّ تركيز أنقرة هجماتها أخيراً على محافظة الحسكة، ووصولها إلى أرياف دير الزور، دفعا بالأولى، هذه المرة، إلى توجيه اتهاماتها إلى الولايات المتحدة. كما أن القيادات الكردية عمدت إلى التلويح مجدداً بورقة التخلي عن حماية المخيمات والسجون، التي تحوي عناصر من «داعش» وعوائل لهم، وتجميد العمليات العسكرية ضد التنظيم، في الوقت نفسه الذي كررت فيه الحديث عن الوعود الأميركية. وفي هذا الإطار، تنفي مصادر ميدانية، تحدثت إلى «الأخبار»، إمكانية أن تكون أنقرة قد قدّمت أيّ وعود لواشنطن، معتبرةً أي حديث في هذا الاتجاه بمثابة «محاولة أميركية لكسب الوقت، والحفاظ على العلاقة مع (قسد)، في ظلّ التوترات التي تشهدها المنطقة، وخاصة تصاعد تهديد فصائل المقاومة الإسلامية في العراق، ضد القواعد الأميركية في الشرق السوري».
كما تتوقع المصادر أن تصعّد أنقرة «هجماتها في الأشهر القادمة، بسبب اقتراب الانتخابات المحلية، وحاجة (حزب العدالة والتنمية) إلى رفع أسهمه في الداخل التركي»، ولا سيما عبر الإيحاء بأنه متمسك بـ«محاربة الإرهاب المتجسد بـ(حزب العمال الكردستاني) وأذرعه». وفي المقابل، تستمرّ الولايات المتحدة، في كل محطة، في التأكيد أنها «بحاجة إلى قوات (قسد)، وإن بشكل مرحلي على الأقل، للحفاظ على وجودها العسكري في عدة قواعد في دير الزور والحسكة».