في التفاح، تحضر تلك الروح الصوفية العذبة في التعاطي مع المصائب الكبرى
في التفاح، تحضر تلك الروح الصوفية العذبة في التعاطي مع المصائب الكبرى، حيث يلقي الأهالي همومهم على الله. ستدخل الحيّ وتغادره تماماً، من دون أن تسمع عبارة نقمة واحدة: «اختار الله لنا هذه البلاد... رضينا وحمدنا وشكرنا»، قال شاب لم يتجاوز الثلاثين من العمر، وهو يفتّش بين أنقاض بيته عن شيءٍ يستفاد منه. عماد، لم يكن بيته المدمّر سوى أقلّ خساراته، إذ استشهد ثلاثة من أشقائه في ميدان القتال، وقضت والدته وعشرة من أفراد عائلته تحت ركام بيتهم المقصوف. لكنه مع هذا، يقول لـ«الأخبار»: «نحن نؤمن بأن الأقدار مكتوبة من قَبل الميلاد، وهذا الإيمان تطبيقي لا معرفي، لذا فإن الله لم يسمع منّا غير حمده وشكره، وهذا حمد الراضي لا العاجز».
ستطول جولتنا في حي التفاح أكثر ممّا يسمح به الظرف. استغرق الطريق إليه ثلاث ساعات من المشي على الأقدام، وسيتعيّن علينا حساب مدّة مماثلة للعودة قبل حلول الظلام. غير أن سجية الأهالي التي جبلت على الكرم، وتقاسم اللقمة، وكأس الشاي، وحتى رشفة القهوة، أجبرتنا على البقاء. الحديث إلى «أبو زكي» لذيذ، والشاي الذي أعدّه على ما تبقّى من أخشاب طقم نومه لذيذ أيضاً. يدير الرجل الأربعيني حواراً لا يخلو من الطرافة الملتزمة: «كانت أختك إم زكي بتزنّ براسي أغيّر طقم النوم، بس إجيت على البيت وشفته، قلتلها هدي على بالك، هيك مضطرين نغير الدار كلها مش الطقم بس... زنانات زوجاتنا يا أخي زنانات». قال ذلك، وغاص في موجة من الضحك. يحسن الرجل تسخيف المصائب على نحو محبَّب. لقد خرج من الحرب خاليَ الوفاض، بلا بيت ولا عمل، ولم نكن نعلم أنه فقد ابنته الصغرى أيضاً، لولا أن مواكب الزائرين كرّروا عليه: «عظم الله أجركم... ذخر في الجنة». بالنسبة إلى «أبو زكي»، إن الفلسطيني يعيش اليوم حياته المثلى، وقدره المحتوم في مواصلة الصراع، فيما كل الخسارات على طريق بناء المستقبل، مكاسب. قال ذلك كله في جملة تتجاوز في بساطتها كلّ بلاغة ممكنة: «هُمّا قدرنا وإحنا قدرهم... نهايتنا على أرضنا المحرّرة، فوقها أو تحت ترابها، ونهايتهم يرجعوا من وين ما إجوا».