تجاوز العجز المخابراتي الإسرائيلي عن العثور على طرف خيط للوصول إلى أيٍ من الجنود والمستوطنين الأسرى، أو قيادات المقاومة، حدود المداراة والسرية، وانتقل أخيراً إلى مرحلة الإقرار العلني، ولكن من دون التخلي عن «انتفاخة القوة» التي يظهرها المتحدث باسم جيش العدو، دانيال هاغاري، ووزير الحرب، يوآف غالانت، بشكل يومي. أظهرت ذلك الخطوات الأخيرة التي شرع «جهاز الأمن العام» الإسرائيلي (الشاباك) فيها في مختلف مناطق قطاع غزة؛ إذ بعد إلقاء ملايين المنشورات الورقية، التي تطالب الأهالي بالتعاون مع الجيش، وتقديم معلومات مقابل مكافآت مادية كبيرة، وإخلاء المتعاونين إلى أي دولة أوروبية يرغبون فيها، دشّن العدو، أخيراً، عدداً كبيراً من الصفحات على موقع «فيسبوك»، والتي يطالب فيها الأهالي بـ«التعاون».واحدة من تلك الصفحات يديرها ضابط يدعى الكابتن حسام، الذي كتب في أول منشور له: «مرحباً، أنا الكابتن حسام، جاهز لتلبية كلّ ما تحتاجونه، تواصلوا عبر الخاص». على أن المنشور الذي عُزّز بإعلان مموّل، تحوّل إلى منصة كبرى للسخرية، إذ انهمرت آلاف التعليقات الهازئة عليه، ومن بينها: «بدنا نشوفك بغزة يا كابتن، الشباب بيستنوك على أحر من لهب القذائف المضادة للدروع»، «بدنا نابلسية مثلاً لأنو علعلت قلوبنا من السمسمية والعجوة»، «كابتن أنا جاهز لخدمتكم، بدكم السنوار؟ موجود مكانه عندي، ممكن تلاقوه بجحر الديك... وفي كل مكان بغزة دعسنا فيه على رقابكم موجود السنوار». على هذا النحو، علق الآلاف من الشباب، فيما النساء دخلن في جو آخر من السخرية، جلّته عبارات من مثل: «شو بدنا؟ شو بدنا يا كابتن؟ آي لاينر وبودرة أساس، لحتى نجهز حالنا للاحتفال بيوم نصرنا وهزيمتكم»، «كريمة طبخ وخلطة بشاميل حتى نغذي أسراكم إلي عنا، طلعت شجرة عدس وفول في معدتهم حرام».
فرص نجاح الأساليب الناعمة في تحصيل المعلومات الحساسة، محدودة جداً


وتأتي هذه الخطوات بعدما استنفدت العملية البرية نفسها في كل مناطق شمال وادي غزة، وبدأ الانسحاب من مناطق العمليات في وسط القطاع، وتحديداً في النصيرات ودير البلح، إذ لم تحقق القوات البرية أيّ صورة انتصار ملموسة، من مثل تحرير أسير حي، أو اعتقال أو اغتيال قائد كبير من ثلاثية «السنوار، الضيف، مروان عيسى»، وهو ما يشكل عامل إحراج كبير لجيش العدو، بعد أكثر من 95 يوماً من الحرب. هنا، يؤكد مصدر أمني مطلع أن «فرص نجاح الأساليب الناعمة في تحصيل المعلومات الحساسة، محدودة جداً، وذلك لأنه حتى لو كان هناك ضعاف نفوس في مجتمع المقاومة، وهو أمر وارد، فإن فرص التواصل عبر الإنترنت ضعيفة جدّاً، بعد أن دمر العدو نحو 70% من شبكات الاتصال اللاسلكية، وتحديداً في المناطق المستهدفة بهذه الخطوات، أي تلك التي انتهت فيها العملية البرية الكبرى في شمال وادي غزة». ويتابع المصدر في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الوصول إلى استجداء المواطنين وإغرائهم بتلك الطريقة المفضوحة، يؤكد أن السلوك العنيف في تحقيق الأهداف لم يقُد إلى أي نجاح، كما يعكس مستوى التأزم المخابراتي الذي يعانيه جهاز الشاباك».