في حيّ الشيخ رضوان الشرقي، حيث انسحبت قوات العدو قبل عشرة أيام، وفيما وجد آلاف المواطنين في الهدوء النسبي فرصة للعودة إلى منازلهم شبه المدمرة، وبدؤوا استصلاح لو غرفة واحدة منها، على أمل الخروج من مراكز الإيواء، تحوم فوق المنطقة التي تتربّع وسط أكبر مسطح مائي لمياه الصرف الصحي، أشباح كارثة عام 2014. يومذاك، فاضت مياه بركة الشيخ رضوان، بعد موجة أمطار غزيرة، وأغرقت مناطق واسعة من الحيّ، وحيّ النفق المحاذي. ورغم أنّ منظومة البلديات والكهرباء والصرف الصحي كانت تعمل بكلّ طاقتها وقتذاك، إلّا أنها لم تفلح في احتواء الحدث؛ إذ توفي، بسبب فيضان المجاري الكبير، نحو 13 مواطناً غرقاً، وأصيب المئات، واضطرّت طواقم الدفاع المدني لاستقدام قوارب الصيد من ميناء غزة، لإخلاء العائلات التي حوصرت في منازلها طوال أيام.ما الذي يمكن أن يحدث اليوم؟ يتساءل الحاج أبو محمود، بينما لا تعمل في القطاع حالياً أيّ من المنظومات الخدمية: لا إسعاف ولا بلديات ولا دفاع مدني ولا شركة كهرباء. يستذكر الرجل الخمسيني الكارثة السابقة بالقول: «يومها، تعطلت المضخات الكبيرة التي تسحب مياه البركة إلى البحر، وبسبب نقص الوقود وانقطاع الكهرباء الطويل، غرقت منازلنا بعد موجة مطر غزيرة... اليوم، البركة لم تُضخ منها المياه منذ بداية الحرب، وقارب منسوبها الوصول إلى سطح الشارع، وكل مناشداتنا عبث».
على أن مياه الصرف الصحي ليست مشكلة الأهالي الأكبر؛ إذ تتجمّع أيضاً أطنان كبيرة من النفايات والحيوانات النافقة في محيط البركة، قاطعةً الشوارع الرئيسية، ومتسبّبةً في انبعاث روائح كريهة جدّاً منها، فيما يغزو الذباب والبعوض منازل الأهالي وخيامهم من جرائها. ووفقاً لصابر محمد، وهو من سكان الحي، فإن منطقتَي البركة وأبو إسكندر كانتا الأكثر ازدحاماً بالسكان في شمال القطاع، حيث نزح إليهما عشرات الآلاف من المواطنين من مخيم جباليا وأحياء النصر والدرج والتفاح والشيخ رضوان الغربي. وبينما كانت أكوام القمامة تتزايد، لم تحضر طواقم البلدية لمواكبة ضغط النازحين الكبير.
هنا، يوضح مصدر من بلدية غزة، تحدثت معه «الأخبار»، أنّ «هناك جملة من المعيقات التي قوّضت تماماً عمل بلديات القطاع، أولها هو تدمير الاحتلال لـ90% من الآليات والمعدات اللازمة لانتشال القمامة وكسح مصافي الصرف الصحي وتسليكها، والثاني هو عدم توافر وقود السولار لعمل ما تبقى من الآليات. أمّا المعضلة الأكبر، فهي أن مكبات النفايات الكبرى موجودة في أماكن بعيدة عن المناطق السكانية، وهي نقاط اشتباك ساخنة، ولا يمكن الوصول إليها لنقل أكوام النفايات من وسط الأحياء المأهولة».