لندن | فيما يرزح الاقتصاد البريطاني تحت واحدة من أسوأ موجات التضخّم في تاريخه، وفي الوقت الذي يكافح فيه ملايين البريطانيين لتأمين لقمة عيشهم اليوميّ، تستمرّ حكومة نخبة الأثرياء التي تَحكم المملكة، في توريط البلاد في مزيد من الصراعات العسكرية الأميركية، عبر مشاركة رمزية في العدوان على اليمن، لتضيف جبهة أخرى ثالثة إلى أوكرانيا - التي وصلها رئيس الوزراء، ريشي سوناك، مساء أمس، محمّلاً بأموال إضافية وترتيبات عسكرية وأمنية واستخبارية -، وغزّة، حيث تشارك القوات البريطانية من قاعدتَيها في قبرص، في دعم عمليات الجيش الإسرائيلي ضدّ القطاع المحاصَر. وكانت أربع طائرات من طراز "تايفون" تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني متمركزة في قاعدة "أكروتيري" في جزيرة قبرص، قد عبرت، ليل الخميس - الجمعة، الأجواء المصرية في اتجاه اليمن، وتزوّدت بالوقود فوق البحر الأحمر، قبل أن تشارك القوات الأميركية عدوانها على اليمن. وبحسب وزارة الدفاع البريطانية، فإن طائرات سلاح الجو الملكي التي قطعت عدّة آلاف من الأميال ذهاباً وإياباً، قصفت موقعَين تستخدمهما القوات اليمنية لإطلاق الصواريخ الباليستية والمسيّرات، قبل أن تعود أدراجها إلى "أكروتيري"، فيما لم تشارك أيّ من السفينتَين الحربيتَين التابعتَين للبحرية الملكية، الموجودتين حالياً في البحر الأحمر، بشكل مباشر في الضربات. وفي هذا الإطار، نقلت وسائل الإعلام المحلّية عن وزير القوات المسلّحة البريطانية، جيمس هيبي، قوله إن العملية كانت "محدودة ومتناسبة وضرورية" للدفاع عن السفن الحربية الغربية وسفن الشحن في البحر الأحمر. ودعا هيبي مواطنيه إلى الشعور بالفخر بما أنجزته قواتهم المسلّحة، على رغم كل المخاطر، مبلغاً الصحافيين أنه "لا توجد خطط حالياً لشنّ مزيد من الضربات". من جهتها، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن تأثير الهجمات التي شنّتها الطائرات الملكية لم يتّضح بعد، لكن "المؤشرات المبكرة تبيّن أن قدرة اليمن على تهديد الشحن التجاري قد تلقّت ضربة"، بحسبها.
وكانت لندن قد أرسلت المدمرة "دياموند" إلى البحر الأحمر في محاولة لتقديم الحماية من الضربات الجوية للسفن الإسرائيلية أو تلك المتّجهة إلى موانئ الكيان العبري، والتي يستهدفها اليمنيون في سياق دعمهم للفلسطينيين الذين يواجهون حرب إبادة إسرائيلية. والتحقت بها تالياً الفرقاطة "لانكستر" التي تتمركز عادة في الخليج العربي لحماية أنظمته الحاكمة. وبخلاف المدمّرات الأميركية التي شاركت في العدوان على اليمن، فإن القطع البحرية البريطانية مخصصة للدفاع الجوي والمعارك البحرية، ولا تحمل صواريخ "كروز" لقصف مواقع على البر.
طالب نواب من أحزاب المعارضة بانعقاد البرلمان من أجل مناقشة قرار سوناك التورّط بعمليات عسكرية ضدّ اليمن


وفي معرض تبريره مشاركة بلاده في العمليات العدوانية ضدّ البلد العربي، قال سوناك إن "هجمات الحوثيين تعطّل التجارة وترفع أسعار السلع، وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن"، مضيفاً، في اجتماع عبر الفيديو مع مجلس الوزراء بينما كان متّجهاً إلى أوكرانيا، أن "التحذيرات المتكرّرة من المجتمع الدولي لليمن لم تُجدِ نفعاً، إذ واصل (الحوثيون) تنفيذ هجمات في البحر الأحمر، بما في ذلك استهداف السفن الحربية البريطانية والأميركية، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر". وفي وقت لاحق، أصدر سوناك بياناً أعلن فيه تنفيذ ضربات ضدّ أهداف يمنية من قِبَل طائرات سلاح الجو الملكي، مشيراً إلى أن البحرية البريطانية ستواصل القيام بدوريات في البحر الأحمر كجزء من عملية متعدّدة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة.
في المقابل، طالب نواب من أحزاب المعارضة بانعقاد البرلمان من أجل مناقشة قرار سوناك التورّط في عمليات عسكرية ضدّ اليمن. وقال نواب من "الحزب القومي الاسكتلندي"، و"الديمقراطيون الأحرار"، و"بلايد سيمرو" (من إقليم ويلز)، كما رموز يسارية من "حزب العمل"، إن "الإجراء العسكري الأميركي - البريطاني قد يشعل منطقة الشرق الأوسط برمّتها، ويوسّع من نطاق الحرب الحالية، وقد لا يكون كافياً لردع اليمنيين عن موقفهم المرتبط بالحرب على غزة". لكن "حزب المحافظين" (يمين الوسط) الذي يحتفظ بأغلبية عدديّة في مجلس العموم يدعم موقف حكومة سوناك بلا تحفّظ، ويشاركه الموقف نفسه زعيم "حزب العمل"، كير ستارمز، وتياره اليميني داخل أكبر أحزاب المعارضة، ما يجعل اعتراض أيّ عدد من النواب الآخرين بلا طائل. ومن المتوقّع أن يدلي رئيس الوزراء ببيان أمام مجلس العموم، الاثنين المقبل، للتأكيد أن مشاركة القوات البريطانية (في العدوان على اليمن) كانت "قانونية ومتناسبة".
لكن هذه الخطوة تبدو أقرب إلى مقامرة، إذ على رغم محاولات الإعلام البريطاني تصوير العدوان على اليمن كدفاع عن حرية التجارة العالمية وتصدٍّ للتأثير الإيراني في المنطقة، فإن قطاعات عريضة من البريطانيين تدرك أن بريطانيا تسهم في تأجيج صراع إقليمي دفاعاً عن المصالح الإسرائيلية، وأنها بذلك توفّر غطاء استراتيجياً لحرب الإبادة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين، وأن مصالح بريطانيا قد تغدو أهدافاً لأعمال انتقامية.
وعلى الجانب الآخر من الكوكب، أكد نائب رئيس وزراء أستراليا ووزير الدفاع، ريتشارد مارليس، مشاركة بلاده في العدوان الأميركي - البريطاني على اليمن، إلى جانب كل من البحرين وهولندا وكندا. وقال، في حديث إلى وسائل إعلام محلّية، إن ضباطاً من الجيش الأسترالي كانوا في غرفة العمليات التي أدارت الهجمات، واصفاً تلك المشاركة بالأمر الأساسي لمصلحة بلاده العليا.