رام الله | بينما تصنّف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الضفة الغربية كساحة على شفا الاشتعال، أطلقت عملية أمس الفدائية، إنذاراً لما يمكن أن يحدث في الداخل الفلسطيني المحتل، ردّاً على الحرب الوحشية على القطاع والضفة. وضربت العملية التي نُفّذت في مستوطنة «رعنانا» (المقامة فوق قرية تبصر الفلسطينية المهجّرة)، المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية في الصميم، وأدخلتها في حالة طوارئ واستنفار غير مسبوقة، هي في الأصل لم تغادرْها منذ السابع من أكتوبر، فيما يمثل الهجوم فشلاً كبيراً لتلك المنظومة، ولا سيّما أن منفّذَيْه انطلقا من الضفة. وفي التفاصيل، استطاع شابّان (ابنا عم) من بلدة بني نعيم في مدينة الخليل، اجتياز كل العقبات والحواجز والتخفّي للدخول إلى الداخل المحتل، وتنفيذ الهجوم، الذي بدأ بطعن امرأة ومن ثم قيادة مركبتها ودهس عدة مستوطنين بها، ومن ثم تبديلها بأخرى وتنفيذ عملية دهس ثانية، ومن ثم ثالثة، ما أسفر عن مقتل مستوطنة وإصابة 20 آخرين بجروح، من بينهم 3 في حالة خطيرة و8 بحالة متوسطة. وما يعمّق من الفشل الأمني إزاء ذلك أن كلا الشابين لا يملكان تصريح عمل في إسرائيل، حسبما أوردت «هيئة البث الإسرائيلية» (كان 11)، وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية دخولهما وضربهما في أكثر من موقع، بالإضافة إلى عدم بتّ سلطات الاحتلال بوجود أشخاص آخرين قد يكونون قدّموا المساعدة للمنفّذين، فضلاً عن التخبّط في بداية الحدث والعجز عن تحديد خلفيته.وفيما تلقي العملية المذكورة بثقلها على المستويين السياسي والعسكري، اللذين يسعيان منذ بداية العدوان على غزة إلى إبعاد الضفة عن المواجهة، تبدو الأخيرة اليوم أكثر انخراطاً فيها من أي وقت آخر، خلافاً لرغبة الجيش الذي لا يريد فتح جبهة إضافية، تمنعه من الاستمرار في استفراد القطاع. كما أن العملية قد تفتح المجال لتصعيد أمني قادر على استنزاف الجيش والقوات الأمنية، كونه يتطلّب استعادة جنود الاحتياط الذين جرى تسريحهم من شمال فلسطين وغزة، فضلاً عن أنه يعني تحويل نحو 750 ألف مستوطن وآلاف الشوارع إلى أهداف متحرّكة، وهو ما لا تريده إسرائيل في الوقت الحالي.
وبينما تؤكد العملية فشل إجراءات الاحتلال «الوقائية» المتمثّلة في اعتقال الآلاف وقتل المئات في الضفة خلال 100 يوم، تخشى إسرائيل من أن يشكل الهجوم نموذجاً يمكن تقليده، وهو ما دلّ عليه حديث صحيفة «هآرتس» العبرية عن أن الجيش الإسرائيلي قرّر نقل وحدة «دوفدفان» من قطاع غزة إلى الضفة الغربية تحسّباً للتصعيد فيها. أيضاً، تثير العملية تساؤلات حول فشل الأجهزة الإسرائيلية في توفير الأمن حتى في أكثر الأماكن «أمناً»، والذي يُضاف إلى الفشل العسكري في غزة، ليتراكم الإحباط والغضب لدى المستوطنين، في حين أن الشمال مهدّد من جراء ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان، وحتى «إيلات» البعيدة لم تعد «آمنة» لهؤلاء مع دخول «أنصار الله» على خط المواجهة.
فشلت إجراءات الاحتلال «الوقائية» المتمثّلة في اعتقال الآلاف وقتل المئات في الضفة خلال 100 يوم


في المقابل، يعتبر الفلسطينيون أن الهجوم يأتي في سياق أعمال المقاومة المتصاعدة في الضفة، وينسجم مع السياق الطبيعي والمتوقّع، وهو ما أشارت إليه مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية في بياناتها حول العملية. وكان لافتاً إعلان «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لـ«حركة فتح»، تشكيل مجلس عسكري موحّد سيضم عناصر المقاومة على اختلاف مسمياتها، تحت قيادة واحدة، لإدارة المعارك مع الاحتلال على الجبهات كافة، ومطالبتها السلطة الفلسطينية بدعم المقاومة، ووقف جميع أشكال ملاحقة المقاومين واعتقالهم، والإفراج عن المعتقلين منهم.
في هذا الوقت، تشهد الضفة تصعيداً متواصلاً في جرائم الاحتلال، استشهد على إثره، أمس، الشاب محمد حسن أبو سباع (22 عاماً) والفتاة عهد امطير (21 عاماً)، فيما أصيب آخرون بجروح خطيرة في اقتحام قوات الاحتلال بلدة دورا. كما استشهد شاب من مخيم نور شمس على حاجز «عناب» العسكري شرق طولكرم. أيضاً، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة بني نعيم في الخليل، وداهمت منزلَي منفذَي عملية «رعنانا»، بينما شنّ المستوطنون هجوماً واسعاً على بلدة حوارة التي تعاني إغلاقاً شبه كامل منذ بدء الحرب على غزة. وكانت الضفة الغربية ودّعت، الأحد، 5 فلسطينيين استشهدوا برصاص جيش الاحتلال، وهم الفتيان سليمان محمد كنعان (17 سنة) الذي كان وصل إلى «المستشفى الاستشاري العربي» جراء إصابته بالرصاص الحي في القلب عند المدخل الشمالي للبيرة، وخالد عامر حميدات (16 عاماً) الذي احتجزت قوات الاحتلال جثمانه. كذلك، استشهد الطفل لؤي الصوفي (16 عاماً) من مخيم عين السلطان في أريحا، متأثّراً بإصابته بالرصاص الحي في الصدر، خلال اقتحام قوات الاحتلال المخيم، فيما استشهد الشابان أحمد موسى محمد جبارين، وجلال عيسى محمد جبارين، برصاص العدو قرب سعير، شمال الخليل.
في غضون ذلك، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة اقتحامات واعتقالات تركّزت في جنين، ونابلس، وقلقيلية، ورام الله، وبيت لحم، والخليل، وأريحا، وتخلّلتها مداهمة عشرات المنازل والعبث بمحتوياتها وسلب ممتلكات ومبالغ مالية منها، وإخضاع قاطنيها لتحقيقات ميدانية بعد احتجازهم لساعات. وعُرف من بينها منازل الأسرى نائل ومراد وربيع البرغوثي. وفي نابلس، حاصرت قوات الاحتلال الحرم القديم لجامعة النجاح الوطنية، قبل أن تقتحمه بجنودها وآلياتها، وتعتقل 25 طالباً كانوا يعتصمون داخله، من بينهم رئيس «مجلس اتحاد الطلبة» محمد سلامة، وعدد من أعضاء المجلس والكتل الطالبية، علماً أن هذه هي المرة الأولى التي يقتحم فيها جنود العدو حرم الجامعة منذ عام 1992.