الحسكة | جدّد الجيش التركي هجماته على مناطق سيطرة «قسد» في مدن وبلدات الشمال السوري، مستخدماً الطائرات الحربية والمُسيّرة والمدفعية. وجاء ذلك على خلفية مقتل تسعة من الجنود الأتراك خلال تصدّيهم لمحاولة تسلّل نفّذها عناصر «حزب العمال الكردستاني» على قاعدة تركية في منطقة خاركوك شمال شرقي العراق، ليرتفع عدد قتلى الجيش التركي في المواجهات مع «الكردستاني» في المنطقة، إلى 21، في أقلّ من شهر. ودفع هذا العدد الكبير من القتلى، الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى عقْد اجتماع أمني برئاسته، الجمعة الماضي، حضره وزراء الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات وكبار قادة الجيش، لبحث تداعيات هذه الهجمات، والطرق المناسبة للردّ عليها. وبعد ساعات من اختتام الاجتماع، شنّ الطيران الحربي والمُسيّر التركي، سلسلة غارات جوية على مناطق سيطرة «قسد» في الحسكة والرقة وريف حلب، تزامناً مع قصف مدفعي على مواقع في ريفَي الحسكة وحلب، تواصل حتى يوم أول من أمس، قبل أن تنخفض وتيرة الهجمات تدريجياً. وتركّز القصف على حقول النفط والغاز ومحطّات توليد ونقل التيار الكهربائي، والمنشآت الخدمية، والمعامل والمستودعات، بالإضافة إلى استهداف نقطة للجيش السوري في قرية ذبانة، ما أدى إلى استشهاد عنصرين وإصابة آخرين. ووفق وكالة «الأناضول»، توصّل المجتمعون إلى أن «تركيا لن تسمح قطعاً بإنشاء إرهابستان على الحدود الجنوبية مهما كانت الأسباب والحجج»، وشدّدوا على «مواصلة مكافحة تنظيمَي PKK وYPG الإرهابيين وداعميهما في إطار استراتيجية منع التهديدات ضدّها والقضاء عليها في منبعها»، مبيّنين أن «العمليات مستمرّة حتى القضاء على آخر إرهابي، ولغاية تجفيف مستنقعات الإرهاب في العراق وسوريا».
وفيما أشار وزير الدفاع التركي، يشار غولر، خلال اتصال مرئي مع قادة الوحدات العسكرية التركية داخل تركيا وعلى الحدود، إلى أن «الغارات التي يشنّها سلاح الجو في سوريا والعراق، دمّرت 78 هدفاً لحزب العمال الكردستاني، وذراعه السورية، وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكّل أكبر مكوّنات قسد، بينها كهوف وملاجئ ومخابئ ومنشآت نفطية»، أكّدت مصادر ميدانية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تركيا استهدفت، خلال ثلاثة أيام، أكثر من 80 هدفاً، بينها منشآت خدمية واقتصادية ونقاط عسكرية ومدنية على امتداد مناطق سيطرة قسد في مدن وبلدات الشمال السوري»، كاشفة أن «هذه الهجمات أدّت إلى أضرار كبيرة في معمل غاز السويدية، الذي يولّد نحو 100 ميغاواط كهربائية، ويوفّر مادة الغاز المنزلي لكامل مناطق سيطرة «قسد»، كما ألحقت دماراً بعدد من آبار النفط والغاز، فضلاً عن خروج عدد من محطّات تحويل الكهرباء عن الخدمة، ما نتج منه انقطاع المياه والكهرباء عن الآلاف من الأهالي في ريف القامشلي ومدينة عين العرب وريفها». وأشارت المصادر إلى أن «الهجمات ألحقت الضرر بمنشآت تعود ملكيتها أساساً إلى الدولة السورية»، واصفة ما حصل بأنه «تدمير ممنهج للبنى التحتية وضرب للاقتصاد الوطني السوري». كما اتّهمت المصادر، تركيا، بـ«التذرّع بمحاربة قسد بغرض تدمير الاقتصاد السوري، ورفع فاتورة وكلفة إعادة الإعمار، من خلال استهداف منشآت اقتصادية وخدمية ضخمة وإلحاق أكبر أذى ممكن فيها».
انتقدت «الإدارة الذاتية» صمت «التحالف الدولي» على الهجمات التركية


من جهتها، نفت «قسد»، في بيان، وقوع قتلى في صفوفها، ووصفت الادّعاءات التركية بـ«فقدان عدد من مقاتلينا لحياتهم خلال العدوان الإرهابي على مناطقنا»، بـ«الكاذبة والمفضوحة»، مبيّنة أن «الهجمات تركّزت على البنى التحتية الأساسية والمنشآت الخدمية من مؤسّسات طاقة وتجمّعات سكانية». وبدورها، كشفت «الإدارة الذاتية» أن «الهجمات التركية تسبّبت بخروج 31 محطّة مياه و11 محطة كهرباء، وعشرات الآبار النفطية عن الخدمة»، معتبرة أن هذه الهجمات تهدف إلى «احتلال مناطق أخرى، والقيام بعمليات تهجير جماعي وتغيير ديمغرافي من جديد»، مطالبةً «الدولة السورية والدول العربية بتحمّل مسؤولياتها، والعمل على إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية». ويوم أمس، أصدر «المركز الإعلامي التابع لقسد» بياناً أكّد فيه «تعرُّض سجن الصناعة في الحسكة، الذي يحوي عناصر مرتزقة داعش من أشبال الخلافة، لقصف صاروخي، أدى إلى وقوع إصابات طفيفة في صفوف المعتقلين»، مشيراً إلى أنه «خلال الهجوم، حاول العشرات من معتقلي التنظيم الإرهابي الفرار، حيث منعت التدابير الأمنية المتّخذة من قواتنا وقوى الأمن الداخلي نجاح المحاولة».
وتزامن هذا الهجوم مع تصريحات لـ«نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية»، حسن كوجر، انتقد فيها صمت «التحالف الدولي» على الهجمات التركية على مناطق شمال شرقي سوريا. وقال كوجر إن «الإدارة الذاتية قامت بتوثيق كلّ الهجمات السابقة للاحتلال التركي، وإرسالها إلى كل الجهات المعنية، من دون تلقّي أيّ موقف منها»، معتبراً ذلك «دليلاً على وجود تضامن مع تركيا في قصفها للمنطقة». وإذ اعتبر كوجر أن «قسد هزمت داعش بالشراكة مع التحالف الدولي»، فقد قال: «لكنهم يتعاملون معنا وكأننا لم نحارب داعش»، ملوّحاً بأن «تكرار هذه الهجمات سيتسبّب بحالات عصيان داخل سجون داعش، وهو أمر لا تتحمّل مسؤوليته الإدارة الذاتية، بل التحالف الدولي». وأشار إلى أن هذا الموقف جاء بعد أن نقلت وسائل إعلام تركية، عن السفارة الأميركية في أنقرة، تأكيدها «وقوف الولايات المتحدة مع تركيا في حربها ضدّ الإرهاب، في إطار تعليقها على مقتل 9 جنود أتراك في شمال العراق»، في ما اعتُبر بمثابة موقف يتناقض مع علاقة «التحالف» و«قسد» في سوريا.