وكانت إيران قد أقدمت، قبل يومين، على تنفيذ هجمات صاروخية على مناطق في باكستان، استهدفت فيها، كما قالت، مواقع ميليشيا البلوش الإيرانية المعروفة باسم "جيش العدل"، والتي تنفّذ عمليات إرهابية داخل الجمهورية الإسلامية. لكن الهجمات الإيرانية أثارت غضب باكستان، إذ فضلاً عن استدعاء ديبلوماسيين إيرانيين، أعلنت إسلام أباد أنها تحتفظ بحق الردّ. في هذا الوقت، سارع عدد من الدول، بما في ذلك تركيا واليابان والصين، إلى دعوة الجانبَين إلى ممارسة "ضبط النفس"، فيما أعربت بكين عن استعدادها للتوسّط بين إسلام أباد وطهران. وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، في مؤتمر صحافي، أمس: "يأمل الجانب الصيني بشكل صادق أن يكون بإمكان الطرفَين التهدئة وممارسة ضبط النفس وتجنّب تصعيد التوتر"، مضيفةً: "نحن على استعداد للقيام بدور بنّاء في خفض التصعيد في حال رغب الطرفان في ذلك".
القوة البحرية الإيرانية ونظيرتها الباكستانية نفّذتا، فی الأسبوع الحالي، مناورات مشتركة
ويبدو أن باكستان، باعتبارها قوّة نووية، ولديها في الوقت نفسه مشاكل مستمرّة مع جارتها الهند، أصبحت قلقة في شأن الضرر الذي لحق بردعها إثر الهجمات الإیرانیة، ما حدا بها إلى تنفيذ هجمات الخميس، علماً أن الضربة الباكستانية كانت نسخةً طبق الأصل لتلك الإيرانية، إذ هاجمت طهران مواقع "الجماعات الإرهابية الإيرانية" في باكستان، فيما استهدفت الأخيرة مواقع "الجماعات الإرهابية البلوشية الباکستانیة" المتواجدة في إيران. وكما أعلنت السلطات الإيرانية أنها تحترم سيادة جارتها وسلامتها الإقليمية، شدّدت إسلام أباد أيضاً على سلامة أراضي إيران وسيادتها الوطنية.
ويَظهر ممّا تقدّم، أن باكستان لم تقرّر رفع مستوى الصراع مع إيران في ردّها، وحاولت فقط استعادة قوتها الردعية والحفاظ على التوازن الأمني. ولذا، فمن غير المرجح أن تتجاوز الأزمة بين البلدَين ذلك المستوى. وفي هذا الصدد، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الباكستانية، ممتاز زهرة بلوش، أمس، إن بلادها تعتبر الحوار والتعاون ضروريَّين لمواجهة التحدّيات المشتركة، بما فيها تهديد الإرهاب، وإنها مستعدّة للتفاعل مع جيرانها، بمن فيهم إيران.
كما أن ردّ فعل السلطات الإيرانية بعد الهجمات الباكستانية لم يكن حادّاً للغاية، بل حذراً، إذ لم يشر أيّ مسؤول إيراني إلى ردٍّ على الردّ، في ما يعني أن طهران لا تسعى، بدورها، إلى زيادة التوتّر مع جارتها، بل للسيطرة على الوضع. ومع ذلك، أعلنت الجمهورية الإسلامية، أمس، انطلاق مناورات جوية في الخليج وبحر عمان بمشاركة قوات الجیش و"الحرس الثوري" الإیراني، على أن تشمل مساحة واسعة من "آبادان" المطلّة علی الخلیج، وصولاً إلى "تشابهار" المطلّة علی بحر عمان والقریبة من الحدود الإیرانیة - الباکستانیة. وبغض النظر عن الأحداث الأخيرة، فإن إيران وباكستان تتمتّعان بعلاقات وثيقة ومستقرّة، وخاصة في المجالَين العسكري والأمني، فيما شكّل التوتّر الذي شهدته الأيام الأخيرة استثناءً في العلاقات بين الجانبين.
والنقطة اللافتة للانتباه هي أن القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوة البحرية الباكستانية نفّذتا، فی الأسبوع الحالي، مناورات مشتركة، في مضيق هرمز والخليج، شاركت فيها زوارق قاذفة للصواريخ وسفن حربية تابعة لبحرية البلدين. واستضاف ميناء "بندر عباس"، الواقع في جنوب إيران خلال هذا الأسبوع، "أسطول السلام والصداقة" التابع للبحرية الباكستانية، والذي يضمّ مجموعة حربية تابعة للجيش الباكستاني، لفترة ثلاثة أيام. وتُظهر هذه العلاقات الوثيقة أن تصاعد التوتّر الحالي ليس في مصلحة كلا البلدين، إذ يُرجّح أن ينخفض في الأيام المقبلة، وخاصة في ظلّ وساطة الصين التي تتمتّع بعلاقات جيدة مع البلدَين.