بعد محاولات سابقة باءت بالفشل لعقد لقاء جديد ضمن مسار «أستانا»، تمّ تحديد موعد الجولة الحادية والعشرين لهذا المسار، يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، وفقاً لما أوردته جريدة «الوطن» السورية، نقلاً عن مصادر ديبلوماسية لم تسمّها. وفيما يأتي الاجتماع الجديد بعد أكثر من ستة أشهر على عقد آخر اجتماع في العاصمة الكازاخية (في حزيران الماضي)، وبعد نحو ثلاثة أشهر على عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الضامنة لـ«أستانا» (روسيا وإيران وتركيا) في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يأمل المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، أن يسهم هذا اللقاء في إعادة إحياء مسار «اللجنة الدستورية» المجمّد منذ نحو عام ونصف العام، والذي حاولت السعودية إعادة إحيائه في إطار «المبادرة العربية». وكانت قد تعطّلت لقاءات «الدستورية» جراء رفض الحكومة السورية انعقادها في جنيف على خلفية انخراط الأخيرة في حملة العقوبات الغربية ضدّ موسكو، قبل أن توافق الأمم المتحدة على نقلها إلى دولة أخرى توافقية، ثم يعود بيدرسن ويعلن رفضه عملية النقل تحت وطأة ضغوط أميركية.كذلك، يُنتظر من اللقاء الجديد التماس مدى التقارب بين دمشق وأنقرة، بعد محاولات سابقة مدفوعة من موسكو وطهران لتطبيع علاقات البلدين، تعثّرت جراء مرواغة تركيا ورفضها الانسحاب من سوريا أو وضع جدول زمني لذلك، وهي النتيجة التي تطلب الحكومة السورية الوصول إليها عبر لقاءات «أستانا». وكان وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، الذي من المرتقب أن يترأس الوفد التركي إلى اجتماع الأسبوع المقبل، قد أعلن، مطلع العام الحالي، محدّدات سياسة بلاده الساعية إلى التهدئة ومنع الانزلاق إلى أيّ مواجهات جديدة على الأراضي السورية تمهيداً للحلّ السياسي. وقال فيدان إن اهتمامات أنقرة تنصبّ على «محاربة الإرهاب»، في إشارة إلى «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التي تعتبرها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني»، وإعادة اللاجئين السوريين سواء عبر العملية السياسية، أو عن طريق حملات الإعادة القسرية، والتي ارتفعت حدّتها مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التركية في آذار المقبل.
ويأتي الاتفاق على جولة جديدة من «أستانا»، في وقت تسبّبت فيه الحملة العسكرية التركية المستمرة ضد مناطق سيطرة «قسد»، والتي قُدّرت وفقاً لإحصاءات غير رسمية بنحو 125 غارة استهدفت 90 موقعاً، بدمار واسع في البنى التحتية، بما يشمل محوّلات الكهرباء وبعض آبار النفط، وسقوط عدد من الضحايا المدنيين، وحركات نزوح مستمرة، وسط مخاوف من أزمات إنسانية عدة قد تشهدها هذه المناطق في ظلّ تواصل التصعيد. كما تتزامن الهجمات التركية، التي تقول أنقرة إنها جزء من رد عسكري على مقتل تسعة جنود أتراك أثناء عملية نفّذها مقاتلون أكراد، مع عودة المواجهات الكردية - العشائرية إلى الواجهة، إثر فشل محاولات تهدئة عدة سابقة.
بدأ مقاتلو «داعش» تنسيق هجماتهم بشكل واضح، خلافاً لتكتيك «الذئاب المنفردة»


كذلك، تشهد خطوط التماس ارتفاعاً مطّرداً في حدّة المواجهات، حيث تتابع «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) محاولاتها خرق اتفاقية خفض التصعيد على طول الخط الفاصل بين مواقع سيطرة الجيش السوري والفصائل «الجهادية»، من ريف اللاذقية وصولاً إلى أرياف حماة وإدلب وحلب. وهي محاولات يردّ عليها الجيشان السوري والروسي باستهدافات مكثفة عبر المدفعية والطائرات الحربية، من دون أي تغييرات في خريطة السيطرة المجمدة منذ عام 2020، عندما سيطر الجيش السوري على طريق حلب - دمشق بالقوة. وشهدت جولة التصعيد الأخيرة تفعيلاً ملحوظاً لسلاح الطائرات المسيّرة، التي تحاول الفصائل «الجهادية» استعمالها بكثافة، إذ يعلن الجيش السوري، وبشكل دوري، إسقاط مسيّرات انتحارية حاول المسلحون إطلاقها على مواقع يسيطر عليها. والسلاح نفسه تستعمله تركيا بكثافة أيضاً في حملتها ضد مناطق «قسد»، حيث تعرضت نقطة عسكرية سورية لاستهداف تركي ما تسبب في استشهاد عنصرين من «الأمن العسكري» في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة.
في غضون ذلك، تتابع واشنطن عمليات تحصين قواعدها غير الشرعية ومواقع انتشار عناصرها في سوريا، وسط معلومات عن استقدامها تعزيزات عسكرية جديدة قوامها نحو 1500 جندي إلى سوريا والعراق، أملاً في الحدّ من الهجمات التي تنفّذها المقاومة عليها. أيضاً، يكثّف تنظيم «داعش» هجماته على مواقع الجيش السوري في البادية، بعد أن قام بتعديل تكتيكاته القتالية، وفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، موضحةً أن مقاتلي «التنظيم» بدؤوا ينسّقون هجماتهم بشكل واضح، خلافاً للتكتيك الذي كانوا يتبعونه سابقاً عبر شنّ هجمات فردية أو بمجموعات صغيرة. وتعزو المصادر التكتيك الجديد إلى «الدعم الذي تلقّاه مسلحو داعش أخيراً، من عتاد وأسلحة وأجهزة اتصال»، في إشارة إلى الدور الذي تلعبه قاعدة «التنف» الأميركية، والتي تتهم دمشق وموسكو القائمين عليها بدعم التنظيم، واستعماله في إطار حرب استنزاف طويلة الأمد، إلى جانب كونه الذريعة التي تستعملها واشنطن في محاولة تبرير وجودها غير الشرعي في سوريا.