ويأتي الاتفاق على جولة جديدة من «أستانا»، في وقت تسبّبت فيه الحملة العسكرية التركية المستمرة ضد مناطق سيطرة «قسد»، والتي قُدّرت وفقاً لإحصاءات غير رسمية بنحو 125 غارة استهدفت 90 موقعاً، بدمار واسع في البنى التحتية، بما يشمل محوّلات الكهرباء وبعض آبار النفط، وسقوط عدد من الضحايا المدنيين، وحركات نزوح مستمرة، وسط مخاوف من أزمات إنسانية عدة قد تشهدها هذه المناطق في ظلّ تواصل التصعيد. كما تتزامن الهجمات التركية، التي تقول أنقرة إنها جزء من رد عسكري على مقتل تسعة جنود أتراك أثناء عملية نفّذها مقاتلون أكراد، مع عودة المواجهات الكردية - العشائرية إلى الواجهة، إثر فشل محاولات تهدئة عدة سابقة.
بدأ مقاتلو «داعش» تنسيق هجماتهم بشكل واضح، خلافاً لتكتيك «الذئاب المنفردة»
كذلك، تشهد خطوط التماس ارتفاعاً مطّرداً في حدّة المواجهات، حيث تتابع «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) محاولاتها خرق اتفاقية خفض التصعيد على طول الخط الفاصل بين مواقع سيطرة الجيش السوري والفصائل «الجهادية»، من ريف اللاذقية وصولاً إلى أرياف حماة وإدلب وحلب. وهي محاولات يردّ عليها الجيشان السوري والروسي باستهدافات مكثفة عبر المدفعية والطائرات الحربية، من دون أي تغييرات في خريطة السيطرة المجمدة منذ عام 2020، عندما سيطر الجيش السوري على طريق حلب - دمشق بالقوة. وشهدت جولة التصعيد الأخيرة تفعيلاً ملحوظاً لسلاح الطائرات المسيّرة، التي تحاول الفصائل «الجهادية» استعمالها بكثافة، إذ يعلن الجيش السوري، وبشكل دوري، إسقاط مسيّرات انتحارية حاول المسلحون إطلاقها على مواقع يسيطر عليها. والسلاح نفسه تستعمله تركيا بكثافة أيضاً في حملتها ضد مناطق «قسد»، حيث تعرضت نقطة عسكرية سورية لاستهداف تركي ما تسبب في استشهاد عنصرين من «الأمن العسكري» في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة.
في غضون ذلك، تتابع واشنطن عمليات تحصين قواعدها غير الشرعية ومواقع انتشار عناصرها في سوريا، وسط معلومات عن استقدامها تعزيزات عسكرية جديدة قوامها نحو 1500 جندي إلى سوريا والعراق، أملاً في الحدّ من الهجمات التي تنفّذها المقاومة عليها. أيضاً، يكثّف تنظيم «داعش» هجماته على مواقع الجيش السوري في البادية، بعد أن قام بتعديل تكتيكاته القتالية، وفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، موضحةً أن مقاتلي «التنظيم» بدؤوا ينسّقون هجماتهم بشكل واضح، خلافاً للتكتيك الذي كانوا يتبعونه سابقاً عبر شنّ هجمات فردية أو بمجموعات صغيرة. وتعزو المصادر التكتيك الجديد إلى «الدعم الذي تلقّاه مسلحو داعش أخيراً، من عتاد وأسلحة وأجهزة اتصال»، في إشارة إلى الدور الذي تلعبه قاعدة «التنف» الأميركية، والتي تتهم دمشق وموسكو القائمين عليها بدعم التنظيم، واستعماله في إطار حرب استنزاف طويلة الأمد، إلى جانب كونه الذريعة التي تستعملها واشنطن في محاولة تبرير وجودها غير الشرعي في سوريا.