وحصل الاغتيال الأخير، بعد نحو عشرين يوماً على اغتيال سيد رضي موسوي، أهم وأبرز قيادات "فيلق القدس "في سوريا، والذي اضطلع بمهمّة إسناد مجموعات المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين لوجستيّاً، في سوريا، علماً أن إسرائيل استهدفت، على مدى السنوات الأخيرة، مراراً، مواقع قوات "قوة القدس" وباقي قوات محور المقاومة على الأراضي السورية، لكنها قلَّما نفَّذت عمليات محدّدة الأهداف ضد القيادات البارزة. على أن الاغتيالات الأخيرة التي طاولت الشخصيات المؤثرة في "قوة القدس" في سوريا، إلى جانب اغتيال شخصيات من مثل القيادي الكبير في "حماس"، صالح العاروري، في لبنان، وكذلك وسام طويل، القائد في "حزب الله"، تُظهر أن استهداف مواقع الثقل في محور المقاومة، تحوّل، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى استراتيجية محورية لإسرائيل، بالتوازي مع تحوّل الحرب في غزة إلى حرب استنزافية.
وفي ردّها على الضربة الأخيرة، توعّدت السلطات الإيرانية بأن اغتيال الحاج صادق "لن يمرّ من دون جواب". وفي هذا الإطار، رأت صحيفة "كيهان" الإيرانية التي يُعيّن مديرَها، المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، أن اغتيال السبت "جاء كردّ فعل إسرائيلي على الهجوم الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني، يوم الثلاثاء الماضي، واستهدف أربيل في العراق"، والذي وصفته بـ"الصفعة الموجعة" التي سدّدتها إيران "على وجه إسرائيل"، ردّاً على اغتيال بعض قيادات "قوة القدس" ومحور المقاومة، وأفضت إلى "مصرع عناصر مهمّة بالنسبة إلى إسرائيل". وأحد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الهجوم المذكور، هو رجل الأعمال الشهير، بيشرو ديزاني، الذي قالت وسائل الإعلام الإيرانية إنه كان على صلة وثيقة بـ"الموساد" الإسرائيلي. وأشارت "كيهان" إلى أن الهجمات التي شنّتها إيران، الأسبوع الماضي، في العراق وسوريا وباكستان، والتي وصفتها بـ"الدقيقة والذكية"، أَظهرت أن الجمهورية الإسلامية لن تترك الجريمة والاغتيال، يمرّان من دون ردّ"، وأن "إسرائيل، من خلال هذه الاغتيالات، لا تستطيع إنقاذ نفسها من المستنقع الذي سقطت فيه، لا بل إن الأمر سيصبح أكثر صعوبة لهذا الكيان يوماً بعد يوم، وستشعر إسرائيل بعدم الأمان أكثر فأكثر".
نظراً إلى الاحتقان الشديد الذي تشهده المنطقة يتعيّن على طهران أن تضع على جدول أعمالها أكثر السياسات ذكاءً ودقّةً ومرونةً
أمّا صحيفة "جوان" القريبة من "الحرس الثوري"، فقد ربطت الاغتيالات الإسرائيلية بتطوّرات الحرب في غزة، واعتبرتها نتيجة "عدم تحقيق نتنياهو إنجازاً في هذه الحرب". ورأت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية "بحاجة إلى هروب كبير. فغزة لم تَعُد مكاناً آمناً له للبقاء فيه. إن الذهاب نحو اغتيال المستشارين الإيرانيين بات بمنزلة أداة وسلاح"، لافتةً إلى أن "هذه الاغتيالات تختلف اختلافاً صارخاً عمّا قامت وتقوم به المقاومة وإيران من تدمير للمقارّ الصهيونية في أربيل ومواقع أخرى. إن الكيان الصهيوني يركّز على الشخصيات والوجوه، بيد أن إيران تركّز على اتّساع نطاق الثأر وهدم البنى التحتية وشبكة القوات العملانية. كما أن إيران والمقاومة استهدفتا أرضية التنسيق واتّساق عناصر التجسّس والاستخبارات الإسرائيلية، وهذا يكتسي أهمية استراتيجية بالغة للغاية، مقارنة بفعل إسرائيل المتمثّل في قصف الأرضية العملانية. إن الوضع المزري الذي تمرّ به إسرائيل، قد يزيد قوّة المجازفة لدى المقاومة لتوجيه ضربات أشدّ بأساً وقوّة، لكنها لن تخفض من قدرتها على التعقّل".
من جهتهم، يقول بعض المحلّلين في إيران إن إسرائيل تهدف من وراء اغتيالات شخصيات ذات وزن، إلى جرّ إيران إلى حرب مباشرة، داعين الأخيرة إلى "ألّا تقع في الفخ". وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "شرق" عن المختصّ في قضايا الشرق الأوسط، وحيد بياتي، قوله إن "إسرائيل، بهدف التغطية على الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على سوريا والعراق، تسعى إلى استفزاز طهران بأيّ طريقة كانت، للدخول في مواجهة مباشرة. ونظراً إلى الاحتقان الشديد الذي تشهده المنطقة، يتعيّن على طهران أن تضع على جدول أعمالها أكثر السياسات ذكاءً ودقّةً ومرونة، في خطوة لإرساء توازن التهديد وتوازن القوى، وألّا يفرز الوضع تداعيات وآثاراً مدمّرة تطاول البلاد نتيجة الحرب المباشرة".